jeudi 18 novembre 2021

الـمـعـرض الـفـنّي في مـهـرجـان سـوق عـكـاظ عـام 1922

 

نـجـد عـلى صـفـحـات الـشّـبـكـة الـعـنـكـبـوتـيـة أعـداداً كـبـيـرة مـن الـمـنـشـورات عـن "مـهـرجـان سـوق عـكـاظ" الّـذي أقـيـم في بـغـداد عـام 1922. وتـتـكـلّـم الـغـالـبـيـة الـمـطـلـقـة مـن هـذه "الـمـقـالات" عـن فـتـاة سـافـرة تـمـثّـل الـخـنـسـاء اخـتـرقـت جـمـوع الـحـاضـريـن عـلى نـاقـة أو عـلى جـمـل وهي تـنـشـد إحـدى قـصـائـدهـا.

ويـخـتـلـف "كـتّـاب" هـذه الـمـنـشـورات في ذكـر عـمـر الـفـتـاة عـنـدمـا شـاركـت في الـمـهـرجـان. فـنـجـد مـن ذكـروا أنّـهـا كـانـت في الـثّـالـثـة أو الـثّـامـنـة أو الـتّـاسـعـة أو الـعـاشـرة أو الـثّـانـيـة عـشـر مـن عـمـرهـا !

ومـصـدر هـذا الـخـلـط والإضـطـراب هـو أنّـهـم يـذكـرون لـهـا سـنـوات ولادة تـتـراوح بـيـن 1910 و 1919 ! ويـبـدو أن أغـلـبـهـم لا يـفـرّقـون بـيـن الـنّـاقـة والـبـعـيـر، فـيُـركـبـهـا بـعـضـهـم نـاقـة وبـعـضـهـم الآخـر جـمـلاً !

وهـم يـذكـرون أنّ هـذه  الـفـتـاة كـانـت صـبـيـحـة الـشّـيـخ داود.

وإذا مـا رجـعـنـا إلى كـتـاب صـبـيـحـة الـشّـيـخ داود، (1) نـجـد أنّـهـا ذكـرت في فـصـل "قـضـيـة سـوق عـكـاظ"، مـشـاركـتـهـا عـنـدمـا كـانـت صـغـيـرة في الـمـهـرجـان، واخـتـيـار مـنـظـمـوه لـهـا لـتـمـثّـل دور الـخـنـسـاء لـتـنـشـد إحـدى قـصـائـدهـا. وتـذكـر أنّ ذلـك أثـار "فـضـيـحـة" في الأوسـاط الـمـحـافـظـة في بـغـداد، لأنّـهـا اخـتـرقـت جـمـوع الـحـاضـريـن سـافـرة.

وكـان والـدهـا الـشّـيـخ أحـمـد بـن الـشّـيـخ داود الـجـرجـيـس، الّـذي كـان عـضـواً في مـجـلـس بـلـديـة بـغـداد ذلـك الـعـام، ثـمّ انـتـخـب عـام 1924 في الـمـجـلـس الـتّـأسـيـسي، وانـتـخـب عـدّة مـرّات بـعـد ذلـك في مـجـلـس الـنّـواب، واخـتـاره عـبـد الـمـحـسـن الـسّـعـدون وزيـراً لـلأوقـاف عـنـدمـا شـكّـل وزارتـه الـثّـالـثـة في 1928ـ  1929، قـد وافـق عـلى أن تـشـارك ابـنـتـه في عـروض الـمـهـرجـان.

وتـكـتـفي أغـلـبـيـة هـذه الـمـقـالات بـقـضـيـة الـخـنـسـاء، ولا تـهـتـمّ  بـمـا حـدث مـن غـيـره في الـمـهـرجـان. ويـسـتـشـهـد بـعـضـهـا بـمـقـطـع كـتـبـه أمـيـن الـرّيـحـاني في مـؤلـفـه "مـلـوك الـعـرب"(2) عـنـدمـا ذكـر : 

"أقـامـت جـمـاعـة الـمـعـهـد الـعـلـمي سـوق عـكـاظ في عـاصـمـة الـعـبـاسـيـيـن. وكـانـت أوّل حـفـلـة بـاهـرة فـريـدة بـعـد الـتّـتـويـج، حـضـرهـا جـلالـة الـمـلـك فـيـصـل. فـجـلـس في فـسـطـاط بـيـن الـنّـخـيـل يـسـمـع الـشّـعـراء يـنـشـدون والـخـطـبـاء يـخـطـبـون. وكـان قـسّ بـن سـاعـدة في مـقـدمـة الـخـطـبـاء يـمـثّـلـه أحـد الـصّـبـيـان الأذكـيـاء، وكـانـت الـخـنـسـاء في طـلـيـعـة الـشّـعـراء تـتـلـو قـصـيـدتـهـا إحـدى الأوانـس الـمـسـلـمـات سـافـرة".

 ولـكـنّ أمـيـن الـرّيـحـاني لـم يـشـهـد الـمـهـرجـان، فـقـد أقـيـم مـهـرجـان سـوق عـكـاظ هـذا في 24 شـبـاط 1922، ولـم يـصـل هـو إلى بـغـداد إلّا في صـيـف ذلـك الـعـام، أي بـعـد أشـهـر طـويـلـة عـلى إقـامـتـه. فـهـو يـذكـر إذن مـا سـمـعـه، ولـم يـكـن يـعـرف حـتّى اسـم الآنـسـة الـمـسـلـمـة الـسّـافـرة. وقـد ذكـر الـمـهـرجـان كـنـشـاط مـن نـشـاطـات "الـمـجـمـع الـعـلـمي" الّـذي نـظّـمـه عـنـدمـا تـكـلّـم عـنـه وعـن رئـيـسـه ثـابـت عـبـد الـنّـور.

 ولا نـقـرأ إلّا نـادراً عـن الـمـعـرض الـفـنّي الّـذي أقـيـم في الـمـهـرجـان، والّـذي لـم يـكـن أوّل مـعـرض فـنّي أقـيـم في بـغـداد كـمـا ذكـره الـبـعـض فـقـد أقـيـم قـبـلـه مـعـرض فـنّي آخـر عـام 1918 (3). ولـكـنّـه كـان مـع ذلـك أوّل مـعـرض عـرضـت فـيـه أعـمـال لـفـنّـانـيـن عـراقـيـيـن.

 والـنّـصّ الـوحـيـد الّـذي وجـدتـه لـشـاهـد (أو بـالأحـرى لـشـاهـدة) عـيـان رسـالـة كـتـبـتـهـا الـمـس جـرتـرود بـيـل لأبـيـهـا يـوم الأحـد 26 شـبـاط 1922، وتـتـكـلّـم لـه فـيـهـا عـن زيـارتـهـا يـوم الـجـمـعـة الـسّـابـق، 24 شـبـاط، لـلـمـهـرجـان (4) :

 "[ذهـبـت] يـوم الـجـمـعـة إلى حـفـل افـتـتـاح سـوق عـكـاظ The Suq ‘Ukadh . وعـليّ أن أشـرح لـكَ هـنـا أنّ سـوق عـكـاظ كـان في الـجـاهـلـيـة، أي قـبـل الإسـلام، مـهـرجـانـاً مـشـهـوراً كـان يـجـتـمـع فـيـه كـلّ شـعـراء بـلاد الـعـرب ويـتـبـارون في مـا بـيـنـهـم.

ويـقـتـرح شـبـاب بـغـداد [الآن] إحـيـاءهـا سـنـويـاً، وبـإضـافـة مـعـرض لـلـفـنّ والـصّـنـاعـات الـحـرفـيـة. وقـد أقـيـم الـحـفـل في فـسـحـة بـيـن غـابـات الـنّـخـيـل قـرب مـحـطّـة قـطـار الـحـلّـة.

 ووجـدت هـنـاك جـمـوعـاً غـفـيـرة، ومـجـمـوعـة مـن الـوطـنـيـيـن الـمـتـطـرّفـيـن. وقـد اسـتـقـبـلـتُـهـم مـع مـسـتـر كـوك Mr Cook بـبـالـغ الـلـطـافـة، وقـدنـاهـم إلى مـقـاعـد مـصـفـوفـة بـمـواجـهـة الـمـظـلّـة الـحـمـراء الـواسـعـة الّـتي أعـدّت لـلـمـلـك.

 وبـعـد أن افـتـتـح الـمـلـك [الـمـهـرجـان] جـلـس لـمـدّة سـاعـتـيـن بـهـيـبـتـه الـمـثـيـرة لـلإعـجـاب والّـتي يـظـهـرهـا خـلال الـمـنـاسـبـات الـعـامّـة. واسـتـمـع إلى الـخـطـب والـقـصـائـد الّـتي ألـقـيـت. ويـا ربّي ! مـا أطـول مـا كـانـت !

 وقـد وافـقـني الـجـالـسـون حـولي عـلى أن نـحـدد في الـمـسـتـقـبـل طـول الـقـصّـائـد بـ 250 بـيـتـاً. وكـانـت تـدور كـلّـهـا حـول مـوضـوع : لـمـاذا أحـبّ وطـني ؟ [...]

 وعـنـدمـا اسـتـطـعـنـا بـعـد ذلـك الـنـهـوض لـنـشـاهـد الـمـعـرض، حـدث تـدافـع وعـراك شـرس بـيـن مـن كـانـوا يـحـاولـون الـسّـيـر وراء الـمـلـك، ولـكـنّ نـوري بـاشـا [الـسّـعـيـد] بـرزانـتـه الـمـعـتـادة وهـدوئـه وبـلـطـفـه قـادني وسـط الـزّحـام. واسـتـطـعـنـا رؤيـة كـلّ مـا كـان مـعـروضـاً. ولـم يـكـن هـنـاك الـكـثـيـر مـنـه. وكـانـت سـلـطـاتـنـا الـعـسـكـريـة قـد نـظّـمـت واحـداً أفـضـل مـنـه عـام 1918.

 وكـان أفـضـل مـا يـسـتـحـق الـرّؤيـة مـا نـظّـمـتـه الـرّاهـبـات الـفـرنـسـيـات مـن أعـمـال الـفـتـيـات الـيـتـيـمـات الـلاتي جـلـسـن عـلى الأرض يـحـكـن شـرائـط ومـخـرّمـات.

 وكـان هـنـاك خـيـمـة امـتـلأت بـلـوحـات لـفـنـانـيـن مـحـلـيـيـن، لا يـمـكـن تـصـوّر رداءة نـوعـيـتـهـا. وأغـلـب الـمـواضـيـع الّـتي اخـتـيـرت كـانـت رمـزيـة تـبـغي تـصـويـر روح الـعـراق وهي تـنـهـض مـن رمـادهـا، وبـتـكـويـنـات تـشـكـيـلـيـة مـنّـوعـة مـفـكـكـة يـنـقـصـهـا الـتّـمـاسـك. ولـو كـانـت كـمـا صـوّرت لـكـان الأحـرى بـهـا أن تـبـقى حـيـث كـانـت. وأدركـت أنـنـا سـنـنـتـظـر سـنـوات طـويـلـة قـبـل أن يـظـهـر مـن يـشـبـه مـيـكـل أنـجـلـو في بـلـدنـا". (5)

 ونـلاحـظ أن "الـخـاتـون" جـرتـرود بـيـل تـقـول "بـلـدنـا" عـنـدمـا تـتـكـلّـم عـن الـعـراق. ونـلاحـظ أنّـهـا لـم تـذكـر لا قـسّ بـن سـاعـدة ولا الـخـنـسـاء.

 ولا نـعـرف بـالـضّـبـط مـن شـارك في الـمـهـرجـان مـن الـفـنّـانـيـن الـعـراقـيـيـن.

 ويـبـدو أنّ عـبـد الـقـادر الـرّسّـام الّـذي كـان ضـابـطـاً في الـجـيـش الـعـثـمـاني لـم يـرجـع إلى بـغـداد لـيـكـرّس وقـتـه لـلـرّسـم إلّا بـعـد عـام 1922، فـهـو لـم يـشـارك في الـمـهـرجـان إذن، كـمـا لـم يـشـارك فـيـه الـحـاج مـحـمّـد سـلـيـم عـلي الـمـوصـلي الّـذي لـم يـصـل إلى بـغـداد إلّا بـعـد ذلـك بـسـنـوات طـويـلـة (6).

وتـجـمـع أغـلـب الـمـراجـع عـلى أنّ عـاصـم حـافـظ اسـتـقـال مـن وظـيـفـتـه بـعـد الإحـتـلال الـبـريـطـاني، وسـافـر إلى باريـس لـيـدرس فـيـهـا الـفـنّ عـلى حـسـابـه الـخـاص. فـهـو لـم يـكـن إذن في بـغـداد عـنـدمـا عـقـد الـمـهـرجـان.

 ويـذكـر شـاكـر حـسـن آل سـعـيـد أنّ عـبـد الـكـريـم مـحـمـود الّـذي "رسـم مـنـذ الـعـشـريـنـات بـأسـلـوب طـبـيـعي مـتـأثّـراً بـقـريـبـه الـحـاج مـحـمّـد سـلـيـم، وبـأسـلـوب عـبـد الـقـادر الـرّسّـام، اشـتـرك في أوّل مـعـرض فـنّي في الـعـراق عـام 1922، لـعـلّـه هـو الـمـعـرض الّـذي ذكـرتـه الـمـس بـيـل في بـعـض مـؤلـفـاتـهـا" (7) 

ويـضـع آل سـعـيـد هـامـشـاً يـذكـر فـيـه : "لا يـتـضـمّـن كـتـاب الـمـس بـيـل هـذا الـحـدث إلّا أنّ الأسـتـاذ عـبـد الـحـمـيـد الـعـلـوجي أخـبـرني أنّـه ورد في كـتـاب "الـعـراق في رسـائـل الـمـس بـيـل" ولـعـلّـه مـن الـكـتـب الـمـحـظـورة لأسـبـاب سـيـاسـيـة". (8)

 ومـع ذلـك نـجـد عـنـد مـروان الـعـلّان أنّ شـاكـر حـسـن آل سـعـيـد ذكـر في كـتـابـه "الـفـنّ الـتّـشـكـيـلي في الـعـراق" هـذا الـمـهـرجـان "ويـؤكـد بـأنّ الـعـرب سـيـحـتـاجـون لـوقـت طـويـل حـتّى يـمـكـنـهـم إنـجـاب فـنّـانـيـن عـظـمـاء كـمـايـكـل أنـجـلـو، رغـم الـجـهـود الّـتي يـبـذلـهـا هـؤلاء لـتـحـقـيـق ذلـك". (9)

 وقـد فـهـم الـقـارئ الـعـزيـز ولا شـكّ أنّ مـايـكـل أنـجـلـو الّـذي لـفـظ الـمـؤلـف اسـمـه عـلى الـطّـريـقـة الإنـكـلـيـزيـة هـو الـفـنّـان الإيـطـالي مـيـكـل أنـجـلـو، وأنّ الـجـمـلـة الّـتي أسـنـدهـا لآل سـعـيـد هي الـجـمـلـة الّـتي أنـهـت بـهـا جـرتـرود بـيـل رسـالـتـهـا لأبـيـهـا في 26 شـبـاط 1922 ! ولا نـدري كـيـف وصـلـتـه هـذه الـجـمـلـة، ولا هـل نـطـقـهـا آل سـعـيـد حـقّـاً !

ونـقـرأ أيـضـاً أنّ مـحـمّـد صـالـح زكي شـارك أيـضـاً في الـمـهـرجـان. (10)

 وأنـهي عـرضي الـسّـريـع هـذا بـمـا كـتـبـه عـفـيـف الـبـهـنـسي، في مـقـال "الـفـنّ في الـعـراق"، الـمـوسـوعـة الـعـربـيـة، أنّـه كـان في الـمـهـرجـان "خـيـمـة زاخـرة بـالـصّـور، رسـمـهـا فـنّـانـون مـحـلّـيـون. وكـانـت مـوضـوعـاتـهـا مـنـتـخـبـة. وكـانـت هـذه الـمـحـاولات الأولى تـمـثّـل مـعـاصـرة الـفـنّـانـيـن الـعـراقـيـيـن لـلـفـنّ الأوربي، ومـثّـلـت مـوضـوعـات هـذه الأعـمـال الـوديـان والـقـنـاطـر الـحـجـريـة وسـفـن الـثّـوار الـعـراقـيـيـن في ثـورة الـعـشـريـن 1920. وكـان مـن الـعـارضـيـن فـيـهـا شـوكـت سـلـيـمـان الـخـفّـاف الّـذي قـدّم صـوراً زيـتـيـة وأخـرى مـرسـومـة بـالألـوان الـتّـرابـيـة" ! (11) 

ولـكـنّـه لـم يـذكـر مـصـادره، ولا نـعـرف مـن أيـن حـصـل عـلى هـذه الـمـعـلـومـات، ولا مـا هي هـذه الـصّـور الـمـرسـومـة بـالألـوان الـتّـرابـيـة.

وكـنـت أودّ لـو اسـتـطـعـت الـحـصـول عـلى مـعـلـومـات أخـرى عـن هـذا الـمـعـرض الـفـنّي، ولـو أضـاف بـعـض الـقـراء تـوضـيـحـات جـديـدة. وربّـمـا اسـتـطـعـنـا في يـوم مـا أن نـكـمـل هـذا الـعـرض.

 ــــــــــــــــــــــــــــ

(1)  كـانـت صـبـيـحـة الـشّـيـخ داود أوّل عـراقـيـة أكـمـلـت دراسـة الـحـقـوق في جـامـعـة بـغـداد، وأصـبـحـت قـاضـيـة في الـمـحـاكـم. صـدر كـتـابـهـا عـن مـطـابـع الـرّابـطـة، بـغـداد 1958.

(2) أمـيـن الـريـحـاني "مـلـوك الـعـرب"، بـيـروت 1924، ص. 911.

(3) أنـظـر مـقـال عـلي أبـو الـطّـحـيـن "96 عـامـاً عـلى أوّل مـعـرض لـلـفـنـون في بـغـداد سـنـة 1918" الـمـنـشـور في جـريـدة الـمـدى

(4) http://gertrudebell.ncl.ac.uk/letter_details.php?letter_id=541                                    

 (5) وضـع نـوري الـرّاوي في كـتـابـه "تـأمـلات في الـفـنّ الـعـراقي الـحـديـث"، ص. 40/41 تـرجـمـة لـرسـالـة الـمـس بـيـل نـقـلـهـا عـن جـعـفـر الـخـيّـاط :

"لـقـد افـتـتـح الـمـلـك هـذه الـمـنـاسـبـة الإجـتـمـاعـيـة ... وحـيـنـمـا أطـلـق سـراحـنـا لـلـتّـفـرّج عـلى الـمـعـرض قـادني (نـوري بـاشـا) بـيـن الـجـمـاهـيـر. ولـم يـكـن الـمـعـرض مـهـمّـاً، فـقـد كـانـت هـنـاك خـيـمـة مـلأى بـالـصّـور الّـتي رسـمـهـا فـنّـانـون مـحـلّـيـون. وكـانـت الـمـواضـيـع الـمـنـتـخـبـة مـجـازيـة في الـغـالـب تـمـثّـل روحـيـة الـعـراق ومـخـتـلـف أنـواع الـتّـشـويـش، وهي تـنـهـض مـن بـيـن الـرّمـاد، حـيـث كـانـت مـن الـخـيـر لـهـا أن تـبـقى لـو كـانـت رسـمـت في الـرّسـوم. ويـمـكـنـني أن أحـكـم مـن هـذا أنـنـا سـنـحـتـاج إلى وقـت طـويـل قـبـل أن نـسـتـطـيـع إنـجـاب أنـاس مـثـل (مـيـخـائـيـل أنـجـيـلـو)".

ويـعـلّـق نـوري الـرّاوي : "هـنـاك بـعـض الـغـمـوض في الـنّـصّ الـمـتـرجـم يـعـود إلى ضـعـف الـتّـرجـمـة كـمـا يـبـدو".

والـحـقـيـقـة هي أنّ هـذه الـتّـرجـمـة في بـعـض مـقـاطـعـهـا تـلـخـيـص لـلـنّـصّ ومـحـاولـة فـاشـلـة لـفـهـمـه في الـبـعـض الآخـر، إضـافـة إلى ركـاكـة أسـلـوبـهـا. ولـهـذا تـرجـمـت لـكـم رسـالـة الـمـس مـن نـصّـهـا الأصـلي.

ولأنّ نـوري الـرّاوي لـم يـفـهـم مـن قـراءتـه لـلـتّـرجـمـة الـرّديـئـة مـا قـصـدتـه الـمـس بـجـمـلـتـهـا الأخـيـرة فـقـد عـلّـق عـلـيـهـا : "فـيـمـا تـلـمّـح الـكـاتـبـة إلى (أنّـهـم) سـيـحـتـاجـون إلى وقـت طـويـل لإنـجـاب فـنّـانـيـن مـثـل مـيـخـائـيـل أنـجـلـو، وكـأنّ الـعـراق أصـبـح جـزءاً مـمـلـوكـاً لـلإمـبـراطـوريـة إلى الأبـد. وهـذا هـو جـوهـر الـفـكـر الإسـتـعـمـاري".

وإذا مـا رجـعـنـا إلى الـجـمـلـة الأخـيـرة نـجـد أنّـهـا مـخـتـلـفـة في نـصّ الـرّسـالـة الأصـلي عـن الـتّـرجـمـة الـرّديـئـة الّـتي اسـتـعـمـلـهـا نـوري الـرّاوي فـهي تـقـول : "وأدركـت أنـنـا سـنـنـتـظـر سـنـوات طـويـلـة قـبـل أن يـظـهـر مـن يـشـبـه مـيـكـل أنـجـلـو في بـلـدنـا". وهي تـسـتـعـمـل دائـمـاً كـلـمـة "بـلـدنـا" عـنـدمـا تـتـكـلّـم عـن الـعـراق، لا عـن الإمـبـراطـوريـة الـبـريـطـانـيـة، حـتّى عـنـدمـا تـكـتـب لأبـيـهـا.

 وقـد انـتـقـد كـثـيـر مـمـن قـرأوا تـرجـمـة جـعـفـر الـخـيّـاط الـرّديـئـة رأي الـمـس بـيـل عـن الأعـمـال الـمـعـروضـة، واعـتـبـره الـبـعـض جـارحـاً. ولـكـن لا يـنـبـغي أن نـنـسي أنّـهـا ولـدت في عـائـلـة شـديـدة الـثّـراء وخـالـطـت الأرسـتـقـراطـيـة الـبـريـطـانـيـة مـنـذ طـفـولـتـهـا والـتـقـت بـفـنـانـيـن مـشـهـوريـن وزارت مـتـاحـف الـعـالـم، فـكـان مـن الـطّـبـيـعي أن تـطـلـق أحـكـامـاً قـاسـيـة عـلى أعـمـال رسّـامـيـن مـبـتـدئـيـن. ولا يـنـبـغي عـلـيـنـا هـنـا أن نـخـلـط بـيـن مـشـاعـرنـا الـوطـنـيـة وبـيـن آراء الـمـس الـجـمـالـيـة.

(6) ولـد ابـنـه نـزار في أنـقـرة سـنـة 1925، وابـنـتـه نـزيـهـة في إسـطـنـبـول سـنـة 1927. ويـبـدو أنّـه عـاد إلى الـمـوصـل قـبـل أن يـأتي إلى بـغـداد.

(7)  شـاكـر حـسـن آل سـعـيـد، فـصـول مـن تـأريـخ الـحـركـة الـتّـشـكـيـلـيـة في الـعـراق، بـغـداد 1982، الـجـزء الأوّل، ص. 83.                                                                                                                       

(8) نـشـرت الـطّـبـعـة الأولى مـن "الـعـراق في رسـائـل الـمـس بـيـل"، تـرجـمـة جـعـفـر خـيّـاط، في بـغـداد عـام 1977.                                                                              

(9) مـروان الـعـلّان، فـنّ الـتّـصـويـر في الـقـرن الـعـشـريـن، دار الـيـازوري 2018. ص. 77. وقـد ذكـر الـمـؤلـف كـتـاب "الـفـنّ الـتّـشـكـيـلي في الـعـراق". وربّـمـا قـصـد بـه كـتـيـب "الـفـنّ الـتّـشـكـيـلي الـعـراقي الـمـعـاصـر" لآل سـعـيـد (بـ 14 صـفـحـة) الّـذي نـشـرتـه لـه الـمـنـظّـمـة الـعـربـيـة لـلـتّـربـيـة والـثّـقـافـة والـعـلـوم عـام 1992.                                                                                                                            

(10) مـجـمـوعـة الإبـراهـيـمي  http://ibrahimicollection.com/ar/node/56  

 (11)  http://arab-ency.com.sy/detail/7901