lundi 24 avril 2017

رسـوم كـاريـكـاتـيـر لـلـفـنّـان سـعـاد سـلـيـم في كـتـاب وصـفـات طـبـخ بـغـداديـة



               





الـدّكـتـور صـبـاح الـنّـاصـري


كـتـاب وصـفـات طـبـخ بـغـداديـة :

نُـشـر في بـغـداد عـام 1946 كـتـاب بـالـلـغـة الإنـكـلـيـزيـة يـحـتـوي عـلى 457  وصـفـة طـبـخ بـغـداديـة : Recipes from Baghdad، نـشـرتـه مـنـظـمـة الـصّـلـيـب الأحـمـر الـهـنـديـة (أي الـهـنـد الـبـريـطـانـيـة) :   Published by The Indian Red Cross
وعـهـد بـالإشـراف عـلـيـه إلى مي بـيـتي  May H. Beattie، وسـاعـدهـا في تـألـيـفـه بـديـعـة أفـنـان
Bedia Afnan و رنـيـه الـكـبـيـر  Renee Al Kabir و هـيـلـيـن غـودان  Helen Gaudin و آن والـتـر  
Ann Walter.
ونـعـرف أنّ مي بـيـتي كـانـت بـريـطـانـيـة حـاصـلـة عـلى بـكـلـوريـوس في الآداب B. A. وعـلى شـهـادة الـدّكـتـوراه  Ph.D. وكـانـت مـهـتـمّـة  بـالـفـنـون الـشّـرقـيـة، ونـشـرت كـتـابـاً عـن الـسّـجـاد الـفـارسي. 

وكـانـت بـديـعـة أفـنـان (الّـتي تـزوّجـهـا حـسـيـن أفـنـان في 1923) مـن رائـدات الـنّـهـضـة الـنّـسـائـيـة في الـعـراق وعـمـلـت في الـسّـلـك الـدّبـلـومـاسي وحـضـرت أحـد اجـتـمـاعـات عـصـبـة الأمـم. وكـانـت تـتـقـن الـلـغـة الإنـكـلـيـزيـة وتـتـرجـم مـنـهـا وإلـيـهـا.
أمّـا ريـنـيـه الـكـبـيـر فـقـد كـانـت تـنـتـمي إلى عـائـلـة بـغـداديـة يـهـوديـة مـعـروفـة. 

وقـد كـتـبـت مـقـدمـة الـكـتـاب الـمـلـكـة عـالـيـة، أرمـلـة الـمـلـك غـازي، ووالـدة ولي الـعـهـد فـيـصـل الـثّـاني  With an introduction by Her Majesty the Queen Mother ot Iraq
وطـبـع الـكـتـاب في مـطـبـعـة الـحـكـومـة في بـغـداد  Printed at the Government Press, Baghdad.



                                            (يـرجى الـضّـغـط عـلى الـصّـور لـتـكـبـيـرهـا)

والـكـتـاب مـن الـقـطـع الـصـغـيـر (22×5،16 سـم.)، ويـحـتـوي عـلى 163 إضـافـة إلى 11 صـفـحـة لـلـفـهـارس.
وقـد صـدرت لـلـكـتـاب طـبـعـة ثـانـيـة عـام 1952، نـشـرهـا الـفـرع الـنـسـائي لـجـمـعـيـة الـهـلال الأحـمـر الـعـراقي  The Iraq Red Crescent Society (Women’s Branch).  كـمـا صـدرت طـبـعـة ثـالـثـة في 1961 عـن مـطـبـعـة الـعـاني في بـغـداد  El-Ani Press, Baghdad.

ورسـم الـفـنّـان سـعـاد سـلـيـم غـلاف الـكـتـاب بـوجـهـيـه الأوّل والأخـيـر،كـمـا رسـم عـدداً كـبـيـراً مـن رسـوم الـكـاركـتـيـر في داخـل الـكـتـاب لـتـصـاحـب وصـفـات الـطّـبـخ. ونـجـد اسـمـه مـذكـوراً في الـصّـفـحـة الأولى مـن الـكـتـاب : Caricatures by Suad Salim.

الـفـنّـان سـعـاد سـلـيـم :


 كـان سـعـاد سـلـيـم ابـن الـحـاج مـحـمّـد سـلـيـم عـلي الـمـوصـلي، أهـمّ رسـامي جـيـل الـرّواد، وشـقـيـق الـفـنّـانـيـن جـواد ونـزار ونـزيـهـة سـلـيـم.
ولـد في بـغـداد (الـحـيـدر خـانـة) سـنـة 1918. وكـان في الـرّابـعـة والـعـشـريـن مـن عـمـره عـنـدمـا
عـرضـت لـه لـوحـات في الـمـعـرض الـفـنّي الـصّـنـاعي الـزّراعي عـام 1932.
وفي 1936، عـيّـن مـدرسـاً لـلـرّسـم، وأقـام مـعـرضـه الـشّـخـصي الأوّل في قـاعـة جـمـعـيـة حـمـايـة الأطـفـال عـام 1941.
وقـد شـارك في ذلـك الـعـام،1941، في تـأسـيـس جـمـعـيـة "أصـدقـاء الـفـنّ"، وشـارك في مـعـارضهـا، ونـشـر في نـفـس الـعـام كـتـابـاً بـثـلاثـة أجـزاء عـنـوانـه : "مـجـمـوعـة الـحـرب الـعـراقـيـة الـبـريـطـانـيـة الـمـصـوّرة".
وفي عـام 1943، إشـتـرت مـنـه مـديـريـة الآثـار الـقـديـمـة الـعـامـة ثـلاثـة رسـوم "كـاريـكـتـور" يـحـمـل كـلّ مـنهـا عـنـوان (صـفـحـة مـن الـحـيـاة الـعـراقـيـة) لـتـدخـل في "الـمـجـموعـة الـثّـابـتـة مـن لـوحـات زيـتـيـة ورسـوم مـصـنـوعـة في الـعـراق" الّـتي جـمـعـتـهـا الـمـديـريـة وذلـك لـفـتـح "قـاعـة الـصّـور 
The Picture Gallery " جـوار مـتـحـف الأزيـاء الـوطـنـيـة. (1)
ودخـل سـعـاد سـلـيـم كـلـيـة الـحـقـوق في بـغـداد عـام 1945، وبـدأ الـعـمـل في وزارة الـخـارجـيـة في 1948، واشـتـغـل كـرسـام عـسـكـري ومـنـح عـام 1955 رتـبـة نـقـيـب في الـجـيـش.
شـارك في مـعـرض بـغـداد لـلـرّسـم والـنّـحـت الّـذي أقـيـم في نـادي الـمـنـصـور عـام  1956 بـلـوحـة واحـدة.

كـان سـعـاد سـلـيـم مـن أبـرز رسّـامي الـكـاريـكـاتـور، عـمـل في عـديـد مـن الـصّـحـف والـمـجـلّات مـثـل "حـبـزبـوز" الّـتي أصـدرهـا نـوري ثـابـت في 1931. كـمـا نـشـر مـجـمـوعـتـيـن مـن الـرّسـوم عـنـونـهـمـا "مـجـمـوعـتي". وقـد أقـام في أربـعـيـنـيـات الـقـرن الـمـاضي أوّل مـعـرض خـصـص لـفـنّ الـكـاركـتـيـر في الـعـراق.

سـعـاد سـلـيـم وفـنّ الـكـاريـكـاتـيـر :

جـاءتـنـا كـلـمـة "الـكـاريـكـاتـور" أو "الـكـاريـكـتـور" أو "الـكـاريـكـاتـيـر" مـن الـكـلـمـة الإيـطـالـيـة Caricatura الّـتي تـلـفـظ "كـاريـكـاتـورا". وقـد دخـلـت هـذه الـكـلـمـة الإيـطـالـيـة في الـلـغـات الأوربـيـة الأخـرى في بـدايـة الـقـرن الـثّـامـن عـشـر.
ومـعـنى الـكـلـمـة في الأصـل : "إضـافـات مـبـالـغ فـيـهـا"، وصـارت في مـيـدان الـفـنّ رسـمـاً أو تـصـويـراً أو نـحـتـاً بـالـغ فـيـه الـفـنّـان في إظـهـار بـعـض مـمـيـزات وجـه شـخـص مـا أو جـسـمـه، ويـمـكـن أن يـصـل إلى تـشـويـهـهـمـا لأغـراض فـكـاهـيـة أي لـلـسـخـريـة مـنـه أو تـهـكّـمـيـة أي لإظـهـار عـيـوبـه ومـثـالـبـه.

وقـد اسـتـعـمـلـت الـصّـحـافـة الـفـكـاهـيـة مـنـذ ظـهـورهـا، وهي في غـالـبـهـا انـتـقـاديـة، هـذا الـنّـوع مـن الـفـنّ الّـذي لا يـتـقـيـد بـاسـتـعـمـال الـقـواعـد الأكـاديـمـيـة لـلـرّسـم أو الـتّـصـويـر أو الـنّـحـت وإنّـمـا يـكـتـفي بـبـعـض الـخـطـوط أو ضـربـات الـفـرشـاة أو الإزمـيـل الـشّـديـدة الـتّـعـبـيـر عـن مـقـاصـد الـفـنّـان.

ويـعـود تـاريـخ أوّل كـاريـكـاتـيـر عـراقي، بـالـمـعـنى الـحـديـث لـلـكـلـمـة، إلى عـام 1931، عـنـدمـا رسـم عـبـد الـجـبـار مـحـمـود غـلاف الـعـدد الأوّل مـن مـجـلّـة "حـبـزبـوز" الّـتي أصـدرهـا نـوري ثـابـت.
وقـد صـدرت في تـلـك الـسّـنـوات أعـداد مـن الـجـرائـد والـمـجـلّات الـفـكـاهـيـة والـسّـيـاسـيـة الإنـتـقـاديـة نـشـر فـيـهـا الـكـاريـكـاتـيـر عـدد مـن الـرّسـامـيـن الـشّـبـاب الّـذيـن أصـبـح بـعـضـهـم بـعـد ذلـك مـن روّاد الـحـركـة الـفـنّـيـة الـحـديـثـة مـثـل فـائـق حـسـن وعـطـا صـبـري ونـاصـر عـوني وسـعـاد سـلـيـم.

رسـوم سـعـاد سـلـيـم في كـتـاب وصـفـات الـطّـبـخ الـبـغـداديـة :


مـا أسـمي في صـفـحـة الـكـتـاب الأولى بـ "Caricatures" هي في الـحـقـيـقـة رسـوم سـريـعـة مـبـسّـطـة الـتّـخـطـيـط لـمـشـاهـد حـاول فـيـهـا الـرّسّـام سـعـاد سـلـيـم الـتـقـاط أهـمّ خـصـائـصـهـا لـيـوصـلـهـا لـلـقـارئ الـمـشـاهـد.
ولا نـجـد في هـذه الـرّسـوم خـطـوطـاً مـسـتـقـيـمـة، فـهي تـتـمـيّـز بـانـحـنـاءات خـطـوطـهـا واسـتـداراتـهـا وحـتّى بـلـولـبـيـتـهـا الّـتي تـضـفي عـلـيـهـا حـركـة وحـيـويـة تـعـبـيـريـة عـززهـا الـرّسّـام بـنـظـرات شـخـصـيـاتـه وأفـواهـم الـمـبـتـسـمـة أو الـضّـاحـكـة وحـركـات أجـسـادهـم الـمـتـمـايـلـة.

ونـجـد عـلى غـلاف الـكـتـاب، بـوجـهـيـه الأوّل والأخـيـر، سـبـعـة عـشـر مـشـهـداً مـن حـيـاة الـعـراقـيـيـن لـهـا عـلاقـة بـالأكـل والـشّـرب والـطّـبـيـخ، ربـط بـيـنـهـا الـرّسّـام بـدوائـر تـبـدو رسـوم "زلابـيـة"، تـتـتـابـع وتـتـقـاطـع ويـدور بـعـضـهـا حـول بـعـض حـتّى صـار الـغـلاف بـوجـهـيـه حـلـبـة رقـص واسـعـة.

وقـد رسـم سـعـاد سـلـيـم فـوق الـعـنـوان الإنـكـلـيـزي لـلـكـتـاب مـبـاشـرة بـائـع زلابـيـة يـدعـونـا بـيـده الـيـمـنى لـتـذوّقـهـا :

ونـجـد في أعـلى الـغـلاف الأخـيـر مـائـدة عـراقـيـة مـنـصـوبـة تـتـوسـطـهـا جـفـنـة هـبـيـط واسـعـة، يـعـلـوهـا عـدد مـن خـرفـان "الـقـوزي" بـرؤوسـهـا، تـكـدّس بـعـضـهـا عـلى بـعـض، وتـحـيـط بـالـجـفـنـة صـحـون أخـرى مـلـيـئـة بـأطـعـمـة مـتـنـوّعـة :


كـمـا نـرى امـرأة تـدقّ هـيـلاً :

وأخـرى تـهـرس :


ورجـلاً يـطـبـخ "الـبـاجـة" في قـدر ضـخـم فـوق نـار مـلـتـهـبـة :



وامـرأة تـلـبـس قـبـقـابـاً مـن الـخـشـب أمـام عـجـيـنـهـا :


ونـرى "أمّ الـلـبـن" :

وامـرأة تـعـدّ "مـعـجـون طـمـاطـة" :


وحـامـل الـمـاء مـن دجـلـة وقـربـتـه عـلى حـمـاره :

وبـائـع الـشّـربـت :


والـشّـكـرجي يـمـتـدح بـقـلاوتـه الّـتي يـلـتـهـمـهـا زبـون :

وامـرأة تـعـجـن :

وأخـرى تـخـبـز أمـام الـتّـنـور :


ونـرى امـرأة تـتـذوق "شـوربـة ؟" بـمـلـعـقـة :


وأعـرابـيـا يـصـبّ الـقـهـوة في فـنـاجـيـن وهـو يـنـفـخ عـلى الـنّـار تـحـت الـدّلّـة :


كـمـا وجـدت رسـومـاً أخـرى مـن داخـل الـكـتـاب. نـرى في واحـد مـنـهـا جـاي خـانـة بـغـداديـة :

ونـرى في رسـم آخـر نـسـاءً ورجـالاً عـراقـيـيـن وأجـانـب في حـفـل كـوكـتـيـل :

وامـرأة تـصـبّ مـن سـمـاور في اسـتـكـانـات، وخـلـفـهـا قـوري شـاي :


ونـرى رجـالاً عـلى ضـفـة دجـلـة وقـت الـغـروب يـعـدّون سـمـكـاً مـسـقـوفـاً :



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)  أنـظـر مـقـالي : http://almilwana.blogspot.fr/2014/




©  حـقـوق الـنّـشـر مـحـفـوظـة لـلـدّكـتـور صـبـاح كـامـل الـنّـاصـري. 
      يـرجى طـلـب الإذن مـن الـكـاتـب قـبـل إعـادة نـشـر هـذا الـمـقـال.

dimanche 9 avril 2017

مي مـظـفـر والـفـنّ الـحـديـث في الـعـراق








الـدّكـتـور صـبـاح الـنّـاصـري

صـدر عـن الـمـؤسـسـة الـعـربـيـة لـلـدّراسـات والـنّـشـر عـام 2015 كـتـاب الأديـبـة ونـاقـدة الـفـنّ مي مـظـفّـر عـن "الـفـنّ الـحـديـث في الـعـراق : الـتّـواصـل والـتّـمـايـز".
والـكـتـاب بـ 296 صـفـحـة، يـحـتـوي، مـا عـدا الـمـقـدمـة والـمـدخـل، عـلى 35 فـصـلاً قـسّـمـت إلى خـمـسـة أقـسـام : روّاد الـحـداثـة في الـعـراق، تـجـارب مـنـفـردة، الـتّـجـربـة الـشّـخـصـيـة والـرؤيـة الـكـونـيـة، الـتّـواصـل والـتّـمـايـز، عـراقـيـون في الـشّـتـات : تـجـارب جـديـدة.

ولا تـقـصـد الـكـاتـبـة بـكـلـمـة "الـتّـواصـل" مـعـنـاهـا الأفـقي أي الـتّـواصـل بـيـن أنـاس يـعـيـشـون في فـتـرة مـعـيّـنـة، وإنّـمـا مـعـنـاهـا الـعـمـودي الـزّمـني أي : "تـجـارب أجـيـال مـخـتـلـفـة مـتـواصـلـة في امـتـدادهـا وأخـذ بـعـضـهـا مـن الـبـعـض الآخـر". وتـقـصـد بـالـتّـمـايـز : "الـتّـنّـوع في الإتـجـاهـات والأسـالـيـب والـرّؤى في الـحـركـة الـتّـشـكـيـلـيـة الـحـديـثـة في الـعـراق". 

والـكـتـاب حـصـيـلـة تـجـربـة 45 سـنـة واكـبـت فـيـهـا مـؤلّـفـة الـكـتـاب، مي مـظـفّـر، الـفـنّ الـعـراقي الـحـديـث، عـرفـت خـلالـهـا أهـمّ فـنّـاني جـيـلـهـا عـن كـثـب وتـابـعـت إنـتـاجـاتـهـم وزارت مـعـارضـهـم.
وهي تـذكـر في مـقـدمـة الـكـتـاب : "مـنـذ أن شـرعـت بـالـكـتـابـة عـن الـتّـجـارب الـفـنّـيـة، مـع مـطـلـع عـام 1970، كـنـت مـيّـالـة، ربّـمـا بـسـبـب تـكـويـني الـثّـقـافي وانـحـيـازي إلى الـشّـعـر، أن أقـرأ مـا أشـاهـد مـن أعـمـال قـراءة فـنّـيـة جـمـالـيـة، وهـو نـهـج واصـلـت الـسّـيـر فـيـه حـتّى يـومـنـا هـذا". 

فـاهـتـمـامـهـا بـالـفـنّ بـدأ إذن قـبـل لـقـائـهـا بـالـفـنّـان رافـع الـنّـاصـري، وقـبـل زواجـهـمـا عـام 1973.
ويـمـكـنـنـا أن نـتـسـاءل إذا مـا عـدنـا إلى الـجـمـلـة الّـتي ذكـرنـاهـا عـمـا تـقـصـده الـكـاتـبـة بـالـنّـهـج الّـذي واصـلـت الـسّـيـر فـيـه : "أقـرأ مـا أشـاهـد مـن أعـمـال قـراءة فـنّـيـة جـمـالـيـة". ونـفـهـم مـا تـقـصـده الـكـاتـبـة فـهـمـاً تـامّـاً عـنـدمـا نـنـتـهي مـن قـراءة الـكـتـاب، فـهي تـحـلـل الأعـمـال الـفـنّـيـة الّـتي تـتـكـلّـم عـنـهـا تـحـلـيـلاً جـمـالـيـاً يـبـتـعـد عـن الـبـحـث في هـذه الأعـمـال عـن الـمـهـارة الـتّـقـنـيـة الّـتي تـؤدّي إلى دقّـة الـنّـقـل الـواقـعي لـمـظـاهـر الأشـيـاء، أو الـبـحـث عـن مـا تـرمـز إلـيـه مـمـا لا عـلاقـة لـه بـالـتّـعـبـيـر الـفـنّي أو عـن الإلـتـزام الـسّـيـاسي الّـذي يـجـعـل مـن الـعـمـل الـفـنّي خـطـابـاً دعـائـيـاً لإيـديـولـوجـيـات ثـوريـة أو رجـعـيـة أو قـومـيـة أو وطـنـيـة ... 

ويـمـكـنـنـا أن نـفـهـم أيـضـاً أنّـهـا تـقـرأ كـلّ الأعـمـال، ومـن ضـمـنـهـا الأدبـيـة (والـشّـعـريـة مـنـهـا بـالـخـصـوص) قـراءة فـنّـيـة جـمـالـيـة. ومـن هـنـا تـأتي أهـمـيـة كـتـابـهـا فـهـو قـراءة أدبـيـة لـنّـصـوص فـنّـيـة كـمـا أنّـه كـتـابـة فـنّـيـة جـمـالـيـة لـنّـصّ أدبي، فـكـتـابـهـا لـيـس نـصّـاً أدبـيـاً فـقـط، ولـيـس كـتـابـاً في تـاريـخ الـفـنّ فـقـط، ولا في الـنّـقـد الـفـنّي فـقـط، ولا شـهـادة لـشـاعـرة لـهـا حـسّ فـنّي مـرهـف عـن الـفـنّـانـيـن الّـذيـن سـبـقـوهـا وعـن الّـذيـن عـاصـروهـا فـقـط، وإنّـمـا هـو مـزيـج مـن كـلّ هـذا نـتـج عـنّـه عـمـل لا نـجـد لـه مـثـيـلاً في الأدبـيـات الـفـنّـيـة بـالـلـغـة الـعـربـيـة.

ونـتـابـع مي مـظـفّـر في فـصـول كـتـابـهـا كـمـا لـو كـنّـا نـتـابـعـهـا في مـعـرض واسـع الأرجـاء تـقـودنـا في قـاعـاتـه بـخـطى مـتـمـهّـلـة، تـوقـفـنـا أمـام أعـمـال كـلّ واحـد مـن الـفـنّـانـيـن الـخـمـسـة والـثّـلاثـيـن الّـذيـن اخـتـارتـهـم لـتـقـصّ عـلـيـنـا بـصـوتـهـا الـهـادئ، الـمـتّـزن حـيـنـاً والـمـنـفـعـل حـيـنـاً آخـر، فـتـرات مـن حـيـاتـهـم الـشّـخـصـيـة ومـراحـلـهـم الـفـنّـيـة الّـتي تـبـحـث فـيـهـا عـن خـيـوط تـشـدّهـا وتـجـمـعـهـا لـنـلـقي عـلـيـهـا نـظـرة شـامـلـة، أو تـحـلـل لـنـا عـمـلاً مـن أعـمـالـهـم تـحـلـيـلاً نـقـديّـاً جـمـالـيـاً، تـضـيـف عـلـيـه أحـيـانـاً تـقـيـيـمـات شـخـصـيـة. 

وتـداعـب آذانـنـا تـنـوعـات أسـلـوب لـغـتـهـا الـكـتـابـيـة، بـيـن عـرض مـوضـوعي اعـتـدنـا عـلى مـثـلـه في كـتـب تـاريـخ الـفـنّ، وبـيـن اسـتـعـمـالات تـقـنـيـة مـتـعـارف عـلـيـهـا بـيـن نـقّـاد الـفـنّ، وبـيـن تـحـلـيـقـات شـعـريـة بـأسـلـوب مـجـنـح تـدعـونـا فـيـهـا لـنـتـطـايـر مـعـهـا في أجـواء الأعـمـال الـفـنّـيـة الّـتي اخـتـارتـهـا.

الـمـدخـل :

تـبـدأ مي مـظـفّـر في مـدخـل كـتـابـهـا بـعـرض سـريـع لـتـاريـخ الـفـنّ الـعـراقي مـن بـدايـة الـقـرن الـعـشـريـن حـتّى أيّـامـنـا هـذه. 


                                               (عـطـا صـبـري، وجـه فـتـاة، 1944)
 
وتـتـسـاءل عـن سـرّ غـزارة إبـداع الـفـنـانـيـن الـعـراقـيـيـن وتـنـوّعـه : "فـقـد ظـلّـت فـنـون الـتّـصـويـر والـنّـحـت والـخـزف الـحـديـثـة في الـعـراق، بـقـوة تـعـبـيـرهـا وتـنـوّع أسـالـيـبـهـا وغـزارة إنـتـاجـهـا، مـثـار إعـجـاب الـعـرب وغـيـر الـعـرب وتـعـجّـبـهـم عـلى مـدى الـعـقـود". وربّـمـا كـان كـتـابـهـا مـحـاولـة لـلإجـابـة عـلى هـذا الـتّـسـاؤل.
ولـنـبـدأ بـقـسـمـه الأوّل :

روّاد الـحـداثـة في الـعـراق :

يـضـمّ هـذا الـقـسـم عـشـرة فـصـول كـتـبـتـهـا مي مـظـفّـر بـيـن 1985 و 2014 في بـغـداد والـبـحـريـن وعـمّـان، خـصـصـت أوّلـهـا لـلـبـغـدادي الّـذي رأى الـعـراق بـعـيـن الـقـلـب :
"لـم أكـن أعـرف مـن هـو فـائـق حـسـن عـنـدمـا كـنـت أجـد نـفـسي مـسـمّـرة أمـام لـوحـة تـصـوّر أعـرابـاً في الـبـاديـة. كـانـت الـلـوحـة الـزّيـتـيـة مـعـلّـقـة في الـصّـالـة، تـسـتـوقـفـني كـلّـمـا مـررت مـن أمـامـهـا وتـثـيـر في نـفـسي شـعـوراً غـامـضـاً لـم أكـن أدرك كـنـهـه في تـلـك الـمـرحـلـة الـمـبـكـرة مـن عـمـري : ثـلاثـة رجـال وامـرأة بـأزيـاء بـدويـة أمـام خـيـمـة سـوداء تـتـخـلـلـهـا خـطـوط عـريـضـة بـلـون أصـفـر مـشـرب بـالـحـمـرة ... ".
وهـكـذا تـتـزامـن بـدايـة الـكـتـاب بـبـدايـة اكـتـشـاف الـكـاتـبـة لـلـفـنّ الـعـراقي الـحـديـث في طـفـولـتـهـا. وقـد تـابـعـت أعـمـال فـائـق حـسـن وقـرأت مـا كـتـب عـنـه إلى أن شـاءت الـصّـدفـة أن تـحـضـر أمـسـيـة تـكـلّـم فـيـهـا عـن تـجـربـتـه الـفـنّـيـة، فـأكّـد هـذا الـلـقـاء الـمـبـاشـر مـا كـانـت قـد تـوصـلـت إلى مـعـرفـتـه عـنـه مـن قـبـل.
وأعـتـقـد أنّ هـذا الـفـصـل الـقـصـيـر (ثـمـاني صـفـحـات) يـلـخّـص عـلاقـة مي مـظـفّـر بـالـفـنّ الـعـراقي الـحـديـث : تـشـبّـعـهـا بـه مـنـذ طـفـولـتـهـا وصـبـاهـا ثـمّ قـراءتـهـا لـمـا كـتـب عـنـه ومـتـابـعـتـهـا لإنـتـاج الـفـنـانـيـن الّـذيـن الـتـقـت بـعـدد كـبـيـر مـنـهـم. ومـن هـنـا تـأتي أهـمـيـة كـتـابـهـا كـمـصـدر يـضـاف إلى مـصـادر مـعـرفـة هـذا الـفـنّ.

ولـكـنّ الـحـظ لـم يـسـعـد الـكـاتـبـة بـلـقـاء جـواد سـلـيـم، الّـذي تـوفي عـام 1961. وقـد خـصـصـت لـه فـصـلـيـن، تـكـلّـمـت في ثـانـيـهـمـا : "أوراق مـطـويّـة مـن حـيـاتـه" عـن رسـائـل جـواد سـلـيـم إلى عـيـسى حـنّـا. وكـانـت مي مـظـفّـر قـد نـشـرتـه كـمـقـال في مـجـلّـة الأقـلام عـام 1985، ولأهـمـيـة مـا يـحـتـوي عـلـيـه فـقـد أعـادت نـشـره في هـذ الـكـتـاب. 

                                                  (جـواد سـلـيـم، بـلا عـنـوان)
وبـعـد أن تـكـلّـمـت عـن "اقـتـران الـفـنّ بـالـعـلـم" عـنـد مـحـمـود صـبـري، خـصـصـت ثـلاثـة فـصـول لـشـاكـر حـسـن آل سـعـيـد، تـكـلّـمـت في ثـانـيـهـا عـن "مـزدوجـاتـه" وفي ثـالـثـهـا عـن :حـريـة الـبـحـث، حـريـة الـتّـأويـل". ثـمّ تـطـرّقـت في الـفـصـول الـتّـالـيـة إلى "الـطّـبـيـعـة كـمـا رآهـا خـالـد الـجـادر"، و "الـفـرات والـبـيـئـة ونـوري الـرّاوي"، و "الـتّـجـريـب والـلـعـب والـمـوت عـنـد كـاظـم حـيـدر". 

                                          (كـاظـم حـيـدر، شـكـل جـمـيـل، 1967)

تـجـارب مـنـفـردة :

يـحـتـوي هـذا الـقـسـم الـثّـاني مـن الـكـتـاب عـلى فـصـلـيـن، أولـهـمـا عـن الـمـصـور الـفـوتـوغـرافي نـاظـم رمـزي، الّـذي مـارس الـرّسـم أيـضـاً قـبـل أن يـنـشئ مـطـبـعـة عـرفـت بـاسـمـه نـشـر فـيـهـا كـثـيـراُ مـن الـمـطـبـوعـات والـكـتـب الـفـنّـيـة، والـفـصـل الآخـر عـن خـالـد الـقـصّـاب الّـذي "كـان يـرى أنّ الـشّـخـصـيـة الـعـراقـيـة في الـفـنّ يـمـكـن تـحـقـيـق جـانـب مـنـهـا عـن طـريـق الـدّقّـة في رصـد الـمـشـهـد الـعـراقي وتـصـويـر جـزئـيـاتـه، والـظّـواهـر الـمـتـغـيّـرة فـيـه تـبـعـاً لـتـحـولات الـضّـوء". 

الـتّـجـربـة الـشّـخـصـيـة والـرؤيـة الـكـونـيـة :

ويـحـتـوي الـقـسـم الـثّـالـث مـن كـتـاب مي مـظـفّـر عـلى ثـلاثـة عـشـر فـصـلاً خـصـصـت أولـهـا لـلـخـصـوصـيـة الـعـراقـيـة الـمـتـوارثـة عـنـد إسـمـاعـيـل فـتّـاح الـتّـرك الّـذي كـان نـحـاتـاً لـم يـتـوقّـف عـن الـرّسـم، والّـذي عـرض عـنـد عـودتـه مـن رومـا إلى بـغـداد في مـنـتـصـف سـتـيـنـيـات الـقـرن الـعـشـريـن "مـجـمـوعـة لـوحـات فـاجـأ بـهـا جـمـهـور الـمـشـاهـديـن ووضـعـهـم أمـام تـحـدّ كـبـيـر لـجـدة طـرحـه وغـرابـه تـكـويـنـاتـه. كـان الـمـعـرض صـادمـاً في اخـتـزالـه واقـتـصـاده في الـلـون والـشّـكـل إلى أدنى حـدّ". و "لـعـل هـضـم الـتّـجـارب الـفـنّـيـة، أيّـاً كـان مـصـدرهـا الـثّـقـافي واسـتـيـعـابـهـا ثـمّ إعـادة إنـتـاجـهـا ضـمـن أسـلـوب مـتـفـرّد هـو مـا يـمـيّـز تـجـربـتـه".

                                            (إسـمـاعـيـل فـتّـاح الـتّـرك، فـتـاة، 2001)

وتـتـابـع في الـفـصـل الـتّـالي ضـيـاء الـعـزاوي "مـن ضـفـاف وادي الـرّافـديـن إلى تـخـوم الـعـالـم". وهي تـدرك أنّـه "لـيـس مـن الـيـسـيـر الإلـمـام بـتـجـربـتـه الـواسـعـة والـمـتـداخـلـة في مـقـالـة واحـدة. ولـن تـكـون هـذه إلّا مـقـدمـة لـلـتّـنـويـه عـن إبـداعـاتـه ودوره الـرّائـد في دفـع الـحـيـاة الـثّـقـافـيـة في الـعـراق إلى آفـاق الـحـداثـة".
ولا أعـتـقـد أنّ الـقـارئ يـسـتـطـيـع أن يـطـلـب مـن الـكـاتـبـة أنّ تـلـمّ بـتـجـارب الـفـنّـانـيـن الّـذيـن تـكـلّـمـت عـنـهـم إلـمـامـاً تـامّـاً في فـصـول كـتـاب واحـد. ويـكـفـيـهـا أنّ تـبـثّ في نـفـسـه الـرّغـبـة لـيـوسّـع مـعـرفـتـه بـهـم ويـكـمـل اكـتـشـافـاتـه الّـتي بـدأهـا مـعـهـا.

والـفـصـل الّـذي كـتـبـتـه عـن شـريـك حـيـاتـهـا ورفـيـق دربـهـا، رافـع الـنّـاصـري، واحـد مـن أجـمـل فـصـول الـكـتـاب : "الـنّـهـر الأوّل، الـغـربـة وتـحـوّلات الأسـلـوب". وقـد بـدأتـه بـنـصّ رائـع قـصـيـر كـتـبـه الـفـنّـان في 2012، الـعـام الـسّـابـق لـوفـاتـه :
"مـررت بـأنـهـار وبـحـار كـثـيـرة، أقـمـت بـجـوار بـعـضـهـا في بـلـدان مـخـتـلـفـة مـن الـشّـرق والـغـرب، لـكـنـني لـم أجـد أكـثـر مـتـعـة مـن تـجـربـة نـهـري الأوّل : دجـلـة الّـذي أنـتـمي إلـيـه جـسـمـاً ووجـدانـاً. فـمـا انـطـبـع مـنـه في ذاكـرتي لا يـزال يـتـجـلّى أمـام عـيـنيّ مـع مـرور الأيّـام مـقـتـرنـاً بـأشـكـال وألـوان وقـصـص طـريـفـة تـنـسـج بـمـجـمـلـهـا مـشـهـداً مـثـالـيـاً لـلـحـلـم الـجـمـيـل".


وتـذكـر لـنـا الـكـاتـبـة كـيـف بـدأ رافـع الـنّـاصـري في أواخـر عـام 2012 يـخـطـط لـسـلـسـلـة أعـمـال تـحـمـل عـنـوان "بـجـانـب الـنّـهـر" "كـشـفـت عـن عـودة صـريـحـة وقـاطـعـة إلى مـسـقـط رأسـه ومـرتـع صـبـاه في تـكـريـت بـنـهـرهـا الـرّقـراق وآفـاقـهـا الـمـتـرامـيـة. ربّـمـا كـان يـسـتـشـعـر بـأنّ هـذا الـطّـواف في الـزّمـان والـمـكـان عـلى امـتـداد الـحـقـبـة الأخـيـرة مـن حـيـاتـه قـد أوصـلـتـه إلى مـحـطـتـه الأخـيـرة الّـتي بـلـغ فـيـهـا ذروة تـصـوراتـه عـن الـضّـيـاع والـفـقـدان. وفي الـوقـت نـفـسـه أوصـلـه الـتّـراكـم الـمـعـرفي والـتّـقـني إلى اسـتـدعـاء مـا خـزنـه في مـرحـلـة حـيـاتـه الـفـنّـيـة والـوجـوديـة مـعـاً لإيـجـاد عـمـل فـنّي مـسـكـون بـالـجـمـال صـيـاغـة وفـكـراً".


ونـتـابـع مـع مي مـظـفّـر في الـفـصـل الـتّـالي مـحـمّـد مـهـر الـدّيـن في سـيـره عـلى نـهـر مـن جـمـر "فـهـو يـتـخـذ مـن تـنـاقـض الـمـفـاهـيـم وعـبـثـيـة الأقـدار والأحـكـام مـصـدراً يـسـتـوحي مـنـه الـكـثـيـر"، أمّـا سـالـم الـدّبّـاغ فـبـلاغـة صـمـتـه تـتـمـثّـل في "لـوحـاتـه الـتّـجـريـديـة بـالأبـيـض والأسـود الّـتي يـعـبّـر فـيـهـا عـن الـكـثـيـر بـالـقـلـيـل". ثـمّ نـتـوقـف أمـام ألـغـاز ورمـوز عـلي طـالـب الّـذي تـجـد الـكـاتـبـة في أعـمـالـه "ثـمّـة حـدث يـدور في طـقـس غـامـض يـتـوخى الـسّـريـة والـتّـكـتـم". 

وتـشـرح لـنـا بـعـد ذلـك كـيـف اسـتـطـاع سـعـد شـاكـر "بـقـدراتـه ووعـيـه ومـثـابـرتـه أن يـجـسّـر الـهـوة بـيـن الـجـمـال الـمـحـض لـلـخـزف ومـضـمـونـه الـتّـعـبـيـري". ونـسـتـمـرّ في تـجـوالـنـا بـيـن أعـمـال خـزّاف آخـر : طـارق إبـراهـيـم الّـذي "كـان يـسـعى دائـمـاً إلى إيـجـاد مـعـادلـة صـعـبـة بـيـن الـقـيـمـة الـتّـعـبـيـريـة الـتّـشـكـيـلـيـة والـوظـيـفـة الـتّـقـلـيـديـة لـفـنّ الـخـزف. ولـم يـكـن أمـامـه أفـضـل مـن اخـتـيـار مـادة مـن صـلـب الـطّـبـيـعـة، اسـتـخـدام الـطّـيـن".
وتـجـدّ الـكـاتـبـة في الـمـشـهـد الـطّـبـيـعي عـنـد سـعـاد الـعـطّـار أنـثـويـة، وتـلاحـظ تـلازم عـنـصـرَي الـمـرأة والـغـابـة في فـنّـهـا. ثـمّ تـقـودنـا أمـام أعـمـال يـحـيى الـشّـيـخ بـحـثـاً عـن مـبـررات الـرّسـم، فـهـو "فـنّـان دائـم الـبـحـث عـن لـغـة تـسـتـوعـب اتـسـاع رؤاه. تـقـتـرب أسـئـلـة الـوجـود لـديـه مـن أسـئـلـة الإبـداع مـمـا يـجـعـل بـحـثـه الـنّـظـري الـفـكـري والـعـمـلي الـبـصـري بـحـثـيـن مـتـوازيـيـن ومـتـزامـنـيـن ومـتـكـامـلـيـن".
وبـعـد أن تـتـكـلّـم لـنـا مي مـظـفّـر عـن الـعـراق الـسّـاكـن في وجـدان عـصـام الـسّـعـيـد وعـن نـهى الـرّاضي الّـتي الـتـحـقـت بـكـائـنـاتـهـا، 

                                    (نـهى الـرّاضي، رافـع ومي، ثـمـانـيـنـيـات الـقـرن الـعـشـريـن)

تـنـهي هـذا الـقـسـم مـن كـتـابـهـا بـبـحـث فـيـصـل لـعـيـبي سـاهي عـن ذاتـه.

الـتّـواصـل والـتّـمـايـز : جـيـل الـثّـمـانـيـن نـمـوذجـاً
 
تـلـقي الـكـاتـبـة في هـذا الـفـصـل الأوّل مـن هـذا الـقـسـم "نـظـرة عـامـة عـلى الـحـركـة الـفـنّـيـة في الـعـراق خـلال حـقـبـة الـثّـمـانـيـن". وتـسـتـعـرض "الـنّـشـاطـات الـفـنّـيـة في حـقـبـتي الـسّـبـعـيـن والـثّـمـانـيـن"، ثـمّ تـتـكـلّـم عـن "الـتّـجـارب الـشّـابـة الـلافـتـة"، وعـن "عـمّـان ــ الـمـحـطّـة والـمـلاذ" وعـن "الـفـنّـانـيـن الـعـراقـيـيـن في عـمّـان"، ثـمّ تـحـاول أن تـوضّـح لـنـا "الإضـافـة" الّـتي أتى بـهـا فـنـانـو الـثّـمـانـيـنـات عـلى سـابـقـيـهـم. وتـنـهي هـذا الـفـصـل بـ "نـمـاذج مـنـتـقـاة مـن فـنـاني جـيـل الـثّـمـانـيـن" : فـاخـر مـحـمّـد وهـيـمـت مـحـمّـد عـلي ومـحـمـود الـعـبـيـدي وغـسـان غـائـب وأحـمـد الـبـحـراني وسـامـر أسـامـة.

وتـخـصـص الـفـصـل الـثّـاني "تـداخـل الـحـضـارات والـبـصـمـة الـشّـخـصـيـة" لـمـظـهـر أحـمـد. وهـو "عـلى الـرّغـم مـن انـغـمـاره الـعـمـيـق في الـحـداثـة الـفـنّـيـة، لا يـزال مـحـافـظـاً إلى حـدّ مـا عـلى تـقـالـيـد الـرّسـم، عـلى عـكـس مـعـظـم الـفـنّـانـيـن الـمـرمـوقـيـن مـن جـيـلـه. وخـامـاتـه الـمـتـنـوّعـة الّـتي يـسـتـخـدمـهـا بـحـرفـيـة عـالـيـة تـحـتـفـظ بـأسـرار بـنـيـتـهـا الـتّـحـتـيـة ومـا تـوحي بـه مـن اخـتـزال يـتـمـثّـل بـرهـافـة الـخـطـوط وتـوزيـع الـكـتـل والـفـضـاءات بـشـفـافـيـة وتـلـقـائـيـة". 

وتـتـكـلّـم في الـفـصـول الـتّـالـيـة عـن نـديـم كـوفي الّـذي "كـان يـحـلـم بـقـارب سـومـري يـحـمـلـه بـعـيـداً"، وعـن كـريـم رسـن و "حـرائـق بـغـداد"، وعـن "الـعـمـل الـفـنّي ومـا يـسـتـبـطـنـه" عـنـد هـنـاء مـال الله، وعـن نـزار يـحـيى و "أرض الـطّـيـور". 

ولا يـحـتـوي الـقـسـم الأخـيـر مـن كـتـاب مي مـظـفّـر : "عـراقـيـون في الـشّـتـات : تـجـارب جـديـدة" إلّا عـلى فـصـل واحـد كـرّسـتـه لـ "عـادل عـابـديـن : الإنـزيـاح والـمـنـفى". ويـنـتـهي الـكـتـاب بـهـذه الـمـقـطـع الّـذي يـلـخّـص نـهـج مي مـظـفّـر وأسـلـوبـهـا في إدخـالـنـا في أجـواء الـفـنّ الـعـراقي الـحـديـث :
"مـن خـلال الـمـسـافـة الـبـعـيـدة الّـتي تـفـصـلـه عـن أرض الـوطـن: يـصـوغ عـادل عـابـديـن خـطـابـه الـفـنّي والإنـسـاني مـسـتـعـيـنـاً بـجـمـلـة عـنـاصـر فـنّـيـة تـتـوافـر عـلـيـهـا أعـمـالـه كـالـشّـعـر والـمـوسـيـقى والـتّـصـويـر، مـكـوّنـة لـغـتـه الـجـمـالـيـة الأخّـاذة الّـتي يـسـعى مـن خـلالـهـا إلى فـتـح نـافـذة تـكـشـف مـا يـخـفى عـن الـعـالـم".

ولـم أسـتـطـع، عـنـدمـا انـتـهـيـت مـن قـراءة الـكـتـاب، إلّا أن أبـقى جـالـسـاً دقـائـق طـويـلـة قـبـل أن أخـرج مـن دائـرة سـحـره. واحـتـجـت إلى فـتـرة أخـرى قـبـل أن أتـأسـف عـلى شـيـئـيـن (لـيـس لـلـكـاتـبـة أو لـلـكـتـاب عـلاقـة بـهـمـا) :
أولـهـمـا أنـني لـم أقـرأ الـكـثـيـر عـن هـذا الـكـتـاب رغـم أنّـه واحـد مـن أهـم الـكـتـب الّـتي نـشـرت عـن الـفـنّ الـعـراقي الـحـديـث في الـسّـنـوات الأخـيـرة، وثـانـيـهـمـا أنّ الـكـتـاب لـم يـصـدر بـطـبـعـة فـنـيـة، وبـصـور بـالألـوان لـكـلّ الأعـمـال الـفـنّـيـة (رغـم أنّ الـمـؤلّـفـة وضـعـت 15 صـفـحـة بـالألـوان في وسـط الـكـتـاب). وهـذا مـا يـنـمّ عـن حـالـة الـطّـبـاعـة والـنّـشـر في بـلـدانـنـا.
وقـد ذكـرت الـكـاتـبـة عـلى غـلاف الـكـتـاب الأخـيـر : "أنّـه بـلا شـكّ يـفـتـقـر إلى بـعـض الـتّـجـارب الـمـهـمّـة الّـتي مـن حـقّـهـا أن تـقـف بـجـدارة مـع هـذه الـمـجـمـوعـة. وكـلّي أمـل في إضـافـتـهـا لاحـقـاً". وهـذا مـا يـجـعـلـنـا نـأمـل نـحـن أيـضـاً أن تـتـبـنّى دار نـشـر مـهـمّـة إعـادة طـبـع الـكـتـاب مـع الإضـافـات في طـبـعـة فـنّـيـة تـلـيـق بـه.



©  حـقـوق الـنّـشـر مـحـفـوظـة لـلـدّكـتـور صـبـاح كـامـل الـنّـاصـري. 
     يـرجى طـلـب الإذن مـن الـكـاتـب قـبـل إعـادة نـشـر هـذا الـمـقـال.