jeudi 13 septembre 2018

سـومـر والـفـنّ الـعـالـمي الـحـديـث







الـدّكـتـور صـبـاح الـنّـاصـري


مـعـرفـة الـغـربـيـيـن لـبـلاد سـومـر :

بـعـد أن كـشـفـت الـتّـنـقـيـبـات الأثـريـة الـغـربـيـة في جـنـوب الـعـراق في الـنّـصـف الـثّـاني مـن الـقـرن الـتّـاسـع عـشـر عـن الـحـضـارة الـسّـومـريـة الّـتي كـانـت قـد ازدهـرت في الألـفـيـن الـرّابـع والـثّـالـث قـبـل الـمـيـلاد، أرسـل الـمـنـقّـبـون كـثـيـراً مـن الـقـطـع الأثـريـة إلى الـمـتـاحـف الأوربـيـة ثـمّ إلى الـمـتـاحـف الأمـريـكـيـة.

وقـد أثـارت الآثـار الـسّـومـريـة، مـثـلـهـا مـثـل آثـار حـضـارات مـا بـيـن الـنّـهـريـن الأخـرى، اهـتـمـام الـمـؤرخـيـن وعـلـمـاء الآثـار، ولـكـنّ الـجـمـهـور الـغـربي الـواسـع لـم يـعـرهـا اهـتـمـامـاً كـبـيـراً، عـلى عـكـس الـهـوس الّـذي أثـارتـه، ومـا زالـت تـثـيـره الآثـار الـيـونـانـيـة والـرّومـانـيـة أو الآثـار الـمـصـريـة. 

وربّـمـا كـان سـبـب قـلّـة جـذب الآثـار الـسّـومـريـة لـلـجـمـهـور الـغـربي وحـتّى لـلـمـثـقـفـيـن والـفـنـانـيـن مـنـهـم، وهـو أنّ الـكـتّـاب الـيـونـانـيـيـن والـرّومـان، وهـم مـراجـع الـمـثّـقـفـيـن الأوربـيـيـن في مـعـرفـة الـمـاضي، لـم تـصـلـهـم أخـبـار سـومـر، ولـم يـذكـروهـا في مـؤلـفـاتـهـم، فـقـد ضـاعـت سـومـر مـن ذاكـرة الـبـشـريـة بـعـد سـقـوط آخـر دولـهـا في الألـف الـثّـالـث قـبـل الـمـيـلاد. كـمـا أنّ كـتّـاب الـتّـوراة والإنـجـيـل كـانـوا يـجـهـلـون وجـودهـا تـمـام الـجـهـل، ولا نـجـد إشـارات إلـيـهـا عـنـدهـم. 

ولـم تـدخـل سـومـر في مـيـدان "الـثّـقـافـة الـعـامـة" بـعـد اكـتـشـاف الـتّـنـقـيـبـات لآثـارهـا في نـهـايـة الـقـرن الـتّـاسـع عـشـر بـل بـقـيـت تـرقـد في بـطـون كـتـب الـمـخـتـصـيـن بـالـتّـاريـخ الـقـديـم. 

ولا يـنـبـغي أن نـنـسى أنّ مـعـرفـة الـمـثـقّـفـيـن الأوربـيـيـن لـبـابـل وآشـور كـانـت هي الأخـرى تـأتي مـن الأسـاطـيـر الـيـونـانـيـة والـرّومـانـيـة الّـتي رويـت عـنـهـم والّـتي كـانـت بـعـيـدة عـن الـحـقـائـق الـتّـاريـخـيـة.
ورغـم أنّ الـكـثـيـر مـن الـنّـصـوص الـبـابـلـيـة والآشـوريـة الـمـسـجـلّـة بـالـكـتـابـة الـمـسـمـاريـة قـد تـرجـم إلى الـلـغـات الأوربـيـة الـحـديـثـة مـمـا أثـرى مـعـرفـتـنـا بـسـكـان بـلاد مـا بـيـن الـنّـهـريـن الـقـدمـاء فـمـا يـزال جـمـهـور الـمـثّـقـفـيـن الـغـربـيـيـن يـجـهـلـونـهـا في غـالـبـيـتـهـم الـمـطـلـقـة. ويـكـفي أن نـتـصـفـح قـوائـم الـكـتـب الّـتي تـنـشـر بـالآلاف كـلّ عـام عـن الـحـضـارات الـقـديـمـة لـنـفـاجـأ بـالأعـداد الـضّـئـيـلـة، إن وجـدت، لـلـكـتـب الـمـخـصـصـة لـحـضـارات مـا بـيـن الـنّـهـريـن.

وقـد لاحـظـت أنّ غـالـبـيـة مـؤرخي الـفـنّ يـجـهـلـون تـاريـخ بـلاد مـا بـيـن الـنّـهـريـن حـتّى عـنـدمـا يـتـكـلّـمـون عـن أعـمـال فـنّـيـة مـواضـيـعـهـا "بـابـلـيـة" أو "آشـوريـة"، مـثـل لـوحـة "سـردنـبـال" الّـتي رسـمـهـا الـفـنّـان الـفـرنـسي أوجـيـن دولاكـروا  Eugène DELACROIX  في 1827:

 (أنـظـر مـقـالي : سـردنـبـال، أو كـيـف شـوّهـت صـورة آشـوربـانـيـبـال مـدّة قـرون طـويـلـة) (1)

أو لـوحـة "سـمـيـرامـيـس تـشـيّـد مـديـنـة بـابـل" الّـتي رسـمـهـا الـفـنّـان الـفـرنـسي إدغـار دُغـا Edgar Degas عـام 1860 والّـتي تـعـتـمـد عـلى أسـاطـيـر تـنـاقـلـهـا الـكـتّـاب الـيـونـان والـرّومـان :


(أنـظـر مـقـالي : لـوحـة "سـمـيـرامـيـس تـشـيّـد مـديـنـة بـابـل" لإدغـار دُغـا) (2)

أو لـوحـة "سـوق الـزّواج الـبـابـلي" الّـتي رسـمـهـا الـفـنّـان الإنـكـلـيـزي إدويـن لـونـغ  Edwin Long عـام 1875، والّـتي اسـتـوحى مـوضـوعـهـا مـن تـاريـخ هـيـرودوت :


 (أنـظـر مـقـالي : لـوحـة "سـوق الـزّواج الـبـابـلي" لإدويـن لـونـغ)(3) 

أو لـوحـة "بـابـل" الّـتي رسـمـهـا الـفـنّـان الـتّـشـيـكي فـرانـتـيـشـيـك كـوبـكـا František Kupka  عـام 1906 والّـتي اسـتـوحى مـوضـوعـهـا مـن تـاريـخ هـيـرودوت هـو الآخـر :


(أنـظـر مـقـالي : لـوحـة "بـابـل" لـلـفـنّـان كـوبـكـا) (4)

ولـيـس في هـذه الـلـوحـات الّـتي ذكـرتـهـا ولا في أمـثـالـهـا تـأثـر بـفـنـون مـا بـيـن الـنّـهـريـن لـجـهـل الـفـنـانـيـن لـهـا، مـا عـدا لـوحـة كـوبـكـا الّـذي كـان مـهـتـمّـاً بـالآثـار الـقـديـمـة.
ونـادراً مـا نـجـد فـنـانـيـن غـربـيـيـن تـأثّـروا بـخـطـوط الـكـتـابـة الـمـسـمـاريـة أو بـمـلـحـمـة جـلـجـامـش أو بـتـمـاثـيـل غـوديـا (كـوديـا) أمـيـر لـغـش (لـكـش) أو بـالـزّقـورات ... إلـخ.

مـعـرض بـرشـلـونـة عـن "سـومـر والـفـنّ الـحـديـث" :

وقـد تـمـلـكـتـني دهـشـة مـا بـعـدهـا دهـشـة عـنـدمـا قـرأت عـن افـتـتـاح مـعـرض "سـومـر والـفـنّ الـحـديـث Sumer i el paradigma modern"(5) الّـذي أقـيـم في مـؤسـسـة خـوان مـيـرو في بـرشـلـونـة، إسـبـانـيـا، في نـهـايـة عـام 2017. وقـد انـتـهى هـذا الـمـعـرض في بـدايـة 2018. 



وكـان حـدثـاً اسـتـثـنـائـيـاً اسـتـحـق أن تـشـدّ إلـيـه الـرّحـال وتـتـحـمـل مـن أجـلـه مـتـاعـب الـسّـفـر. وقـد ضـمّ الـمـعـرض مـنـحـوتـات سـومـريـة إلى جـانـب أعـمـال فـنـانـيـن عـمـلـوا خـاصـة في فـتـرة مـا بـيـن الـحـربـيـن الـعـالـمـيـتـيـن (1918ــ1939)، وتـأثّـروا بـهـا.


 قـد وجـدت لـكـم عـدّة فـنّـانـيـن عـالـمـيـيـن جـذبـتـهـم الـمـنـحـوتـات الـسّـومـريـة أو تـأثّـروا بـهـا سـأعـرضـهـم عـلـيـكـم عـرضـاً مـخـتـصـراً في انـتـظـار أن أنـشـر عـن كـلّ واحـد مـنـهـم دراسـة أكـثـر عـمـقـاً واكـتـمـالاً :

خـوان مـيـرو وسـومـر :

وأبـدأ بـالـرّسّـام والـنّـحـات (والـخـزّاف والـغـرافـيـكي) الإسـبـاني الـشّـديـد الـشّـهـرة خـوان مـيـرو          Joan Miro’    الّـذي ولـد في بـرشـلـونـة سـنـة 1893 وتـوفي سـنـة 1983. 
ومـنـذ عـام 1956 وحـتّى وفـاتـه، سـكـن خـوان مـيـرو في جـزيـرة مـلـوركـا (في الـبـحـر الأبـيـض الـمـتـوسّـط، جـنـوب إسـبـانـيـا)، وفـتـح فـيـهـا مـرسـمـاً :


وقـد ثـبّـت مـيـرو عـلى أحـد جـدران الـمـرسـم صـورة لـمـنـحـوتـة سـومـريـة خـطـط قـربـهـا بـالـفـحـم أشـكـالاً مـخـتـزلـة :

  
كـمـا ثـبّـت عـلى جـدار آخـر صـورة أخـرى لـمـنـحـوتـات سـومـريـة اخـتـزل إحـداهـا بـالـفـحـم إلى أشـكـال هـنـدسـيـة (دوائـر ومـسـتـطـيـلات ...) :




ويـبـدو أنّ الـرّسـم الّـذي صـمـمـه لـمـجـمـوعـة شـعـريـة لـلـشّـاعـر الـفـرنـسي بـول إيـلـوار اخـتـزال لـمـا كـان قـد رآه في مـنـحـوتـات سـومـريـة، حـوّرهـا حـسـب أسـلـوبـه الـخـاص بـه :


ولـديـنـا عـمـل طـبـاعي (لـيـثـوغـرافـيـا) قـلّـد خـوان مـيـرو في خـلـفـيـتـه لـوحـاً مـغـطى بـرمـوز مـسـمـاريـة



هـنـري مـور وسـومـر :

أمّـا الـنّـحـات الإنـكـلـيـزي هـنـري مـور Henry Moore الّـذي ولـد سـنـة 1898 وتـوفي سـنـة 1986، فـقـد نـحـت بـيـن عـامي 1929 و 1932  مـجـمـوعـة مـن الـتّـمـاثـيـل الـنّـصـفـيـة يـظـهـر فـيـهـا تـأثّـره بـالـفـنّ الـسّـومـري وخـاصـة في الـيـديـن الـمـعـقـودتـيـن أمـام الـشّـخـص الـمـنـحـوت وفي وقـفـتـه الـمـنـتـصـبـة.

ويـذكـر مـؤرخ الـفـنّ ولـنـسـكي  Wilensky  في كـتـابـه "مـغـزى الـنّـحـت الـحـديـث  The Meaning of Modern Sculpture" الّـذي صـدر في لـنـدن عـام 1932 أنّ هـنـري مـور كـان يـحـاول في نـحـتـه أن يـعـبـر عـن نـوع مـن الـمـغـزى الـشّـكـلي الّـذي أحـسّ بـه في الـمـنـحـوتـات الـسّـومـريـة. وأنّـه كـان في مـنـحـوتـتـه "أم وطـفـلـهـا Mother and Child" (عـام 1931) في حـوار مـع  أحـد تـمـاثـيـل غـوديـا Gudea، أمـيـر لـغـش  Lagash، الّـذي كـان قـد تـأمّـلـه في الـمـتـحـف الـبـريـطـاني في لـنـدن. (6)

ويـبـدي ولـنـسـكي إعـجـابـه بـطـريـقـة عـمـل الـنّـحّـات الـسّـومـري الّـذي اسـتـعـمـل أشـكـالاً كـرويـة ومـثـلّـثـة ومـكـعّـبـة لـيـنـحـت الـرأس والـجـسـد والـيـديـن.

وقـد كـتـب هـنـري مـور عـام 1974  أنّـه كـان قـد اكـتـشـف فـنـون بـلاد مـا بـيـن دجـلـة والـفـرات في الـمـتـحـف الـبـريـطـاني في لـنـدن. ويـبـدو أنّـه تـعـلّـم الـكـثـيـر عـنـهـا أيـضـاً في مـنـاقـشـاتـه مـع سـيـدني بـرني Sydney Burney الّـذي كـان يـديـر قـاعـة فـنّـيـة في لـنـدن عـرض فـيـهـا مـور مـنـحـوتـاتـه. 
 
وكـان سـيـدني بـرني قـد نـشـر مـقـالاً عـن الـنّـحـت الـسّـومـري عـام 1931، كـمـا كـان يـعـرض في قـاعـتـه آثـاراً سـومـريـة، ومـن بـيـنـهـا تـمـثـال غـوديـا، أمـيـر لـغـش الّـذي بـاعـه بـعـد ذلـك لـلـمـتـحـف الـبـريـطـاني.

وقـد ذكـر عـالـم الآثـار جـورج كـونـتـنـو  G. Contenau في مـقـال نـشـره عـام 1929 عـن الـنّـحـت الـسّـومـري أنّ أحـدى مـمـيـزات الـنّـحـات الـسّـومـري اهـتـمـامـه الـشّـديـد بـالـيـديـن الـمـعـقـودتـيـن أمـام الـشّـخـص الّـذي يـصـوره في خـشـوع أمـام إلـهـه، مـثـل مـا فـعـلـه في تـمـاثـيـل غـوديـا، أمـيـر لـغـش.

وقـد وضـع مـور صـورة لـمـا بـقي مـن تـمـثـال لـغـوديـا واقـفـاً حـاسـر الـرأس (في الـمـتـحف الـبـريـطـاني) في مـقـال نـشـره عـام 1935 :



وكـان تـأثّـر هـنـري مـور عـمـيـقـاً بـسـكـون تـمـاثـيـل الـسّـومـريـيـن الـمـنـتـصـبـيـن خـشـوعـاً أمـام آلـهـتـهـم وبـهـدوئـهـم، وخـاصـة في فـتـرة غـوديـا، والّـتي يـظـهـر فـيـهـا الـنّـحـات وبـقـوة عـمـق شـخـصـيـاتـه الـدّاخـلي وعـنـفـوان أحـاسـيـسـهـم الّـتي يـتـحـكّـمـون بـهـا. 

وقـد حـاول في تـمـثـالـه "فـتـاة  Girl" الّـذي نـحـتـه في الـصّـخـر عـام 1931 أن يـظـهـر شـفـتـيـهـا الـمـطـبـقـتـيـن وعـيـنـيـهـا. وهي تـبـدو مـنـعـزلـة عـن الـعـالـم غـارقـة في أفـكـارهـا الّـتي تـحـاول أن تـبـقـيـهـا مـخـتـبـئـة في وجـدانـهـا، لا نـراهـا إلّا مـن خـلال عـيـنـيـهـا وأصـابـع يـديـهـا الـمـعـقـودتـيـن : 



ورغـم أنّ تـمـثـال غـوديـا كـان في الأصـل مـكـتـمـلاً في وقـوفـه قـبـل أن يـصـل إلى الـمـتـحـف الـبـريـطـاني مـحـطّـم الأسـفـل فـقـد احـتـفـظ هـنـري مـور بـهـذا الـشّـكـل ونـحـت تـمـاثـيـل فـتـرتـه "الـسّـومـريـة" مـقـصـومـة الأسـفـل، مـثـل تـمـثـال الـمـرأة الّـذي نـحـتـه عـام 1929:




وتـمـثـال الـمـرأة الّـذي نـحـتـه عـام 1930 :


ومـدح هـنـري مـور، في مـقـال نـشـره عـام 1935، "الـحـضـور الـثّـلاثي الأبـعـاد" لـلـمـنـحـوتـات الـسّـومـريـة، فـالـنّـحـات الـسّـومـري يـظـهـر أشـخـاصـه في مـنـحـوتـات مـسـتـديـرة (أي يـمـكـن أن نـدور حـولـهـا) مـحـتـرمـاً كـلّ أبـعـادهـا. ورغـم أنـنـا يـمـكـن أن نـجـد سـكـون الـكـتـل واتـزانـهـا في مـنـحـوتـات شـعـوب أخـرى فـإنّ مـيـزة الـنّـحّـات الـسّـومـري تـبـرز في مـزجـه بـيـن الـتّـوازن والـتّـمـاسـك، وهـو مـا حـاول هـنـري مـور أن يـجـده عـنـد نـحـتـه لـتـمـثـالـه "فـتـاة  Girl"، أو في مـنـحـوتـات أخـرى.

ألـبـرتـو جـاكـومـتّي وسـومـر :

ولا شـكّ في أنّ قـرائي يـعـرفـون ألـبـرتـو جـاكـومـتّي  الـرّسّـام والـنّـحّـات الـسّـويـسـري الّـذي ولـد سـنـة 1901، وعـاش سـنـوات طـويـلـة في بـاريـس، وتـوفي سـنـة 1966. 

ويـعـرفـونـه خـاصـة بـمـنـحـوتـاتـه الّـتي تـصـوّر أشـخـاصـاً شـديـدي الـنّـحـافـة بـالـغي الـطّـول مـثـل "الـرّجـل الّـذي يـمـشي" الّـذي يـذكـر لـنـا مـؤرخـو الـفـنّ أنّـه كـان قـد تـأثّـر فـيـه بـالـفـنّ الـمـصـري الـقـديـم


وقـد ارتـاد ألـبـرتـو جـاكـومـتّي الـقـاعـة الـسّـومـريـة في مـتـحـف الـلـوفـر في بـاريـس، وجـلـس أمـام تـمـاثـيـل غـوديـا، أمـيـر لـغـش، يـرسـمـهـا ويـعـيـد رسـمـهـا، بـيـن 1935 و1937. وقـد طـلـب جـاكـومـتّي أن يـصـبّ لـه رأس تـمـثـال لـغـوديـا (كـان قـد فـقـد جـسـده) ووضـعـه في مـحـتـرفـه. ولـديـنـا رسـم لـه وضـع فـيـه نـسـخـة الـرّأس هـذه :

 


ولا يـمـكـنـنـا إلّا أن نـسـتـغـرب مـن انـجـذاب جـاكـومـتّي إلى تـمـاثـيـل غـوديـا، وخـاصـة "غـوديـا جـالـسـاً"


الّـذي رسـمـه عـام 1935 بـالـحـبـر عـلى الـورق (26،9×21 سـم.) :

ورسـمـه بـقـلـم الـرّصـاص عـلى ورق الّـذي وضـعـتـه في بـدايـة الـمـقـال، فـأسـلـوب تـمـاثـيـل غـوديـا عـلى عـكـس أسـلـوبـه تـمـامـاً، فـقـد صـوّر الـنّـحـات الـسّـومـري أمـيـر لـغـش مـحـصـوراً في مـكـعـب صـخـر الـدّيـوريـت الـبـركـاني الأسـود الّـذي نـحـتـه فـيـه، كـبـيـر الـرأس صـغـيـر الـجـسـد، وإن كـان يـبـدو في بـعـض تـمـاثـيـلـه الّـتي تـصّـوره "واقـفـاً" مـمـشـوق الـجـسـد إلى حـدّ مـا.

وقـد بـقي لـنـا مـن مـجـمـوعـة رسـوم ألـبـرتـو جـاكـومـتّي لـتـمـاثـيـل غـوديـا رسـم لـرأس بـالـحـبـر الـصّـيـني نـفّـذه عـام 1937 :

ورسـوم أخـرى لـنـفـس الـرأس :






كـمـا أنّ لـديـنـا رسـم لـتـمـثـال يـسـمى تـمـثـال "زوجـة غـوديـا" والـمـحـفـوظ في مـتـحـف الـلـوفـر في بـاريـس أيـضـاً :




دي كـونـنـغ وسـومـر :

ولا يـقـلّ الـفـنّـان الأمـريـكي (مـن أصـل هـولـنـدي) فـيـلـيـم دي كـونـنـغ  Willem de Kooning الّـذي ولـد سـنـة 1904 وتـوفي سـنـة 1997، شـهـرة عـن الآخـريـن. وهـو ولا شـكّ مـن بـيـن أهـمّ الـفـنـانـيـن الّـذيـن ضـعـضـعـوا الأشـكـال الـتّـقـلـيـديـة وأدخـلـوا أسـالـيـب فـنّـيـة جـديـدة تـهـزّ أعـمـاقـنـا.

وقـد وقـع دي كـونـنـغ في دائـرة سـحـر تـمـاثـيـل "تـلّ أسـمـر"، وتـأثّـر خـاصـة بـمـنـحـوتـتـيـن سـومـريـتـيـن تـأمّـلـهــمـا مـراراً في مـتـحـف الـمـتـروبـولـيـتـان Museum في نـيـويـورك في أربـعـيـنـيـات الـقـرن الـمـاضي وخـمـسـيـنـيـاتـه.

وقـد رسـم دي كـونـنـغ بـيـن عـامي 1950 و 1954 أشـهـر مـجـمـوعـاتـه عـن"الـنّـسـاء". وأضـاف في رسـومـه، الّـتي نـفّـذهـا بـضـربـات فـرشـاة مـتـداخـلـة الألـوان، قـصـاصـات مـن الـورق الـمـلـصـقـة :




ونـلاحـظ أنّـه صـورهـنّ مـواجـهـات لـلـمـشـاهـد مـعـقـودات الـيـديـن، مـفـتـوحـات الـعـيـنـيـن عـلى سـعـتـهـمـا.

فـيـلي بـاومـايـسـتـر وسـومـر :

وربّـمـا كـان الـفـنّـان الألـمـاني فـيـلي بـاومـايـسـتـر Willi Baumeister الّـذي ولـد سـنـة 1889 وتـوفي سـنـة 1955، أقـلّ شـهـرة مـن سـابـقـيـه. ولـكـنّـه جـرّب مـنـذ بـدايـاتـه أسـالـيـب حـديـثـة، وأدخـل الـتّـجـريـد في أعـمـالـه وتـأثّـر بـخـوان مـيـرو.

وقـد رسـم فـيـلي بـاومـايـسـتـر، مـنـذ أواخـر أربـعـيـنـيـات الـقـرن الـمـاضي وحـتّى عـام 1953، مـجـمـوعـة أعـمـال عـن جـلـجـامـش مـسـتـعـمـلاً تـقـنـيـات مـخـتـلـفـة (مـن بـيـنـهـا أنـواع مـن الـرّاتـنـج  ومـعـاجـيـن عـلى ألـواح خـشـبـيـة) لـيـتـوصـل إلى انـطـبـاع بـروزات الأخـتـام الأسـطـوانـيـة الـسّـومـريـة. وضـمّـت الـمـجـمـوعـة حـوالي 150 لـوحـة، مـن بـيـنـهـا "جـلـجـامـش وإنـكـيـدو"، 1942 :



ولـوحـة "جـلـجـامـش وعـشـتـار"، 1947 :


ولـوحـة "مـع خـمـبـابـة"، 1947 :


وقـد أنـتـج بـاومـايـسـتـر بـيـن عـامي 1946 و 1955 حـوالي 90 عـمـلاً طـبـاعـيـاً (لـيـثـوغـرافـيـا)، مـن بـيـنـهـا مـحـفـظـة (بـورتـفـولـيـو) بـعـشـرة رسـوم لـيـثـوغـرافـيـا أسـمـاهـا "أسـاطـيـر سـومـريـة" طـبـعـت عـام 1947، مـثـل لـيـثـوغـرافـيـا "جـلـجـامـش" الّـتي طـبـعـهـا بـنـسـخـتـيـن فـقـط :



 هـنـري مـيـشـو  والـكـتـابـة الـمـسـمـاريـة :

ويـمـكـنـنـا أن نـضـيـف في نـهـايـة هـذا الـعـرض الـسّـريـع الـكـاتـب والـشّـاعـر والـفـنّـان الـبـلـجـيـكي (الـنّـاطـق بـالـلـغـة الـفـرنـسـيـة) هـنـري مـيـشـو Henri Michaux الّـذي ولـد سـنـة 1899 وتـوفي سـنـة 1984.

وقـد جـرّب هـنـري مـيـشـو اخـتـراع أبـجـديـات جـديـدة. وهـو يـذكـر أنّـه نـسـخ بـعـض الـرّمـوز الـمـسـمـاريـة الـسّـومـريـة. وهـو ربّـمـا يـقـصـد رمـوز مـا قـبـل الـمـسـمـاريـة عـنـدمـا كـانـت تـصـويـريـة (أي عـنـدمـا كـان لـكـلّ كـلـمـة صـورة تـدل عـلـيـهـا فـتـرسـم صـورة مـخـتـزلـة لـرجـل لـتـدلّ عـلى كـلـمـة "رجـل" وصـورة مـخـتـزلـة لـسـمـكـة لـتـدلّ عـلى كـلـمـة "سـمـكـة").

وقـد مـلأ هـنـري مـيـشـو أوراق دفـاتـر كـامـلـة بـصـور أبـجـديـاتـه الـمـخـتـرعـة :




ــــــــــــــــــــــ




(5)  أو بـالأدقّ "سـومـر والـنّـمـوذج الـذّهـني الـحـديـث".
(6)  أنـظـر مـقـالي : "تـمـاثـيـل غـوديـا، أمـيـر لـغـش" :


©حـقـوق الـنّـشـر مـحـفـوظـة لـلـدّكـتـور صـبـاح كـامـل الـنّـاصـري
         يـرجى طـلـب الإذن مـن الـكـاتـب قـبـل إعـادة نـشـر هـذا الـمـقـال.