mercredi 29 juin 2022

الـسّـنـوات الـبـغـداديـة في مـسـيـرة رومـان أرتِـمـوفـسـكي الـفـنّـيـة

 

 


الـدّكـتـور صـبـاح الـنّـاصـري

 

أقـام الـفـنّـان الـبـولـنـدي رومـان أرتِـمـوفـسـكي (أو أرتـيـمـوفـسـكي)  Roman Artymowski  في بـغـداد عـدّة فـتـرات طـويـلـة بـيـن عـامَي 1959 و 1979، ودرّس في مـعـهـد الـفـنـون الـجـمـيـلـة ثـمّ في أكـاديـمـيـة الـفـنـون الـجـمـيـلـة.

و"تـرك بـصـمـتـه الـواضـحـة عـلى جـيـل الـسّـتـيـنـات ومـا بـعـده، [مـن] الّـذيـن درسـوا عـلى يـده وتـأثـروا بـه. [وهي] الـبـصـمـة الّـتي حـرّكـت الـمـيـاه الـرّاكـدة". كـمـا كـتـبـه أحـد طـلـبـتـه في تـلـك الـسّـنـوات. (1)

ولا شـكّ في أنّ هـذا الـفـنّـان يـسـتـحـق دراسـة عـمـيـقـة مـتـكـامـلـة عـنـه وعـن فـنّـه. كـمـا تـسـتـحـق زوجـتـه صـوفـيـا أرتِـمـوفـسـكـا، الّـتي أقـامـت مـعـه فـتـرات طـويـلـة في الـعـراق، أن تُـدرس هي الأخـرى. ولا أطـمـح في هـذا الـعـرض الـسّـريـع إلى أكـثـر مـن الـتّـعـريـف بـهـمـا لـمـن لا يـعـرفـهـمـا.

 

رومـان أرتِـمـوفـسـكي :

أكـمـل رومـان أرتِـمـوفـسـكي دراسـتـه في مـعـهـد قـرب مـديـنـة كـراكـوف، عـام 1939، وكـان في الـعـشـريـن مـن عـمـره. وبـعـد أن انـدلـعـت الـحـرب الـعـالـمـيـة الـثّـانـيـة قـاتـل في صـفـوف الـجـيـش الـبـولـنـدي.

وقـد انـضـمّ بـعـد الـحـرب إلى جـمـاعـة "Inaczej" الـشّـعـريـة في كـراكـوف، ونـشـر أشـعـاراً في مـجـلّـتـهـا الأدبـيـة. كـمـا دخـل في أكـاديـمـيـة الـفـنـون الـجـمـيـلـة لـهـذه الـمـديـنـة. وكـان أسـاتـذتـه فـيـهـا مـن بـيـن أهـمّ فـنـاني بـولـنـدة في تـلـك الـسّـنـوات. وزار خـلال سـنـوات دراسـتـه هـولـنـدة، وانـضـمّ إلى جـمـعـيـة تـعـلـيـمـيـة لـلـشـبـاب الـبـولـنـدي.

وبـدأ عـام 1947 بـالـعـمـل في "مـجـلّـة الـفـنّ  Przeglad sztuki"، واخـتـصّ بـتـقـديـم الـمـعـارض الـفـنّـيـة فـيـهـا، ثـمّ أكـمـل دراسـتـه الـفـنّـيـة.

وتـزوّج رومـان أرتِـمـوفـسـكي بـالـصـحـفـيـة صـوفي كـاراس عـام 1950، وعـيّـن مـدرّسـاً مـسـاعـداً في أكـاديـمـيـة وارشـو لـلـفـنـون الـجـمـيـلـة مـن 1950 إلى 1952. وبـعـد أن طـلّـق زوجـتـه الأولى تـزوّج مـن جـديـد بـصـوفـيـا بـوشـيـنـكـوف.

وكـانـت صـوفـيـا بـوشـيـنـكـوف قـد درسـت في أكـاديـمـيـة كـراكـوف لـلـفـنـون الـجـمـيـلـة مـن عـام 1945 إلى عـام 1950. وعـمـلـت كـمـدرّسـة مـسـاعـدة في هـذه الأكـاديـمـيـة في عـامَي 1950 و 1951. وبـعـد أن تـزوّجـت عـام 1952 بـرومـان أرتِـمـوفـسـكي، وأصـبـه اسـمـهـا بـعـد زواجـهـا بـه : صـوفـيـا أرتِـمـوفـسـكـا  Zofia Artymowska، إنـتـقـلـت لـلـتّـدريـس في أكـاديـمـيـة الـفـنـون الـجـمـيـلـة في وارشـو. 

وقـد وجـدت صـورة لـلـوحـة رسـمـتـهـا صـوفـيـا أرتِـمـوفـسـكـا عـام 1954 لـشـارع في مـديـنـة، نـرى فـيـهـا تـأثّـرهـا بـالـتّـيّـار الـتّـلـويـني الّـذي كـان مـن أبـرز الإتـجـاهـات الـفـنّـيـة في بـولـنـدة في فـتـرة مـا بـيـن الـحـربـيـن  :

 


 وأقـدم لـوحـة وجـدتـهـا لـرومـان أرتِـمـوفـسـكي رسـمـهـا عـام 1955، أي عـنـدمـا كـان في الـسّـادسـة والـثّـلاثـيـن مـن عـمـره، بـعـد سـتّـة عـشـر عـامـاً عـلى انـتـهـائـه مـن دراسـتـه الـفـنّـيـة :

 


 وتـدلّ هـذه الـلـوحـة عـلى اطّـلاعـه عـلى الـحـركـات الـفـنّـيـة الّـتي سـادت في أوربـا في الـنّـصـف الأوّل مـن الـقـرن الـعـشـريـن مـن اخـتـيـاره لـمـشـهـد عـادي مـن الـحـيـاة الـيـومـيـة، ومـن تـلـقـائـيـة خـطـوطـه واقـتـصـاده في الألـوان. كـمـا تـدلّ عـلى اهـتـمـامـه بـإظـهـار عـمـق الـمـشـهـد وبـالـتّـظـلـيـل.

ومـن بـيـن الـمـصـادر الّـتي أتى مـنـهـا حـسّـه الـمـرهـف بـالألـوان تـجـارب جـمـاعـة الـكـابـيـسـت  Kapists  الّـتي كـان قـد انـتـمى إلـيـهـا بـعـض أسـاتـذتـه. وقـد درس في مـرسـم الـفـنّـان أيـبـش Eugeniusz Eibisch الّـذي تـمـتـدّ جـذور فـنّـه إلى حـركـة الـكـابـيـسـت.  (2)

وكـان يـسـتـعـمـل في تـلـك الـسّـنـوات الألـوان الـزّيـتـيـة.

ووجـدت لـوحـتـيـن  رسـمـهـمـا عـام 1956 بـأسـلـوب تـجـريـدي تـجـزيـئي اسـتـعـمـل فـيـه خـطـوطـاً فـاصـلـة سـوداء، تـطـغي عـلـيـه الـتّـلـويـنـيـة :

 



ولـوحـة تـجـريـديـة ثـالـثـة رسـمـهـا بـالـزّيـت عـلى قـمـاش عـام 1956 أيـضـاً (42×61 سـم.)، تـمـثّـل مـشـهـداً مـن "مـديـنـة نـابـولي" في جـنـوب إيـطـالـيـا. وهي تـخـتـلـف في أسـلـوبـهـا عـن سـابـقـتـيـهـا، طـغى فـيـهـمـا الـلـونـان الأسـود والأصـفـر الـلـذان فـرشـهـمـا الـفـنّـان بـفـرشـاة عـريـضـة فـركـهـا بـقـوّة في عـدّة مـواضـع، وحـزّ فـيـهـا بـمـقـبـض فـرشـاتـه الـخـشـبي خـطـوطـاً أفـرغـهـا مـن الألـوان :

 

وسـافـر رومـان أرتِـمـوفـسـكي عـام 1957  إلى يـوغـسـلافـيـا الّـتي أقـيـم فـيـهـا مـعـرض عـن الـفـنّ الـبـولـنـدي الـمـعـاصـر.

ورسـمـت صـوفـيـا أرتِـمـوفـسـكـا عـام 1957 لـوحـة عـلـيـهـا مـسـاحـات لـونـيـة قـاطـعـة الأطـراف وتـشـكـيـلات هـنـدسـيـة مـسـتـقـيـمـة ومـنـحـنـيـة ودائـريـة يـمـكـن أن يـوحي بـعـضـهـا بـأشـكـال رؤوس وأوجـه ودار وشـجـرة  ... :

 


بـيـنـمـا رسـم رومـان عـام 1958 لـوحـة زيـتـيـة لـصـائـد سـمـك بـالـسّـنـارة جـلـس عـلى ضـفـة نـهـر وبـجـانـبـه كـلـبـه، وقـربـهـمـا قـارب ربـط عـلى الـضّـفـة. ونـفّـذهـا الـفـنّـان بـضـربـات فـرشـاة عـريـضـة وسـريـعـة أضـفـت عـلـيـهـا انـطـبـاعـاً بـحـيـاة هـادئـة، واسـتـعـمـل في أغـلـب أجـزائـهـا ألـوانـاً مـضـيـئـة شـددت مـن عـتـمـة الأشـجـار وانـعـكـاسـاتـهـا في الـمـاء :


 وقـد بـدأ في حـوالي عـام 1958، أي بـعـد زيـارتـه لإيـطـالـيـا بـرسـم الـمـنـاظـر الـطّـبـيـعـيـة بـأسـلـوب وجـداني غـنـائي مـبـتـعـداً عـن تـقـلـيـد مـظـاهـر الأشـيـاء. وتـحـوّل شـيـئـاً فـشـيـئـاً مـن أسـلـوب واقـعي إلى أسـلـوب مـخـتـزل قـاده في الـنّـهـايـة إلى تـجـريـد هـنـدسي الـخـطـوط والإسـتـدارات، ولـكـنّ مـا يـجـمـع بـيـن كـلّ هـذه الأسـالـيـب كـان اتـجـاهـه الـتّـلـويـني.

وهـذا مـا يـظـهـر لـنـا عـنـدمـا نـقـارن لـوحـتـه الـسّـابـقـة بـلـوحـة رسـمـهـا في نـفـس ذلـك الـعـام، 1958، أسـمـاهـا "طـائـر"، واسـتـعـمـل فـيـهـا وسـائـل مـتـعـددة عـلى لـوح خـشـبي (11×19 سـم.) :


 وبـلـوحـة تـجـريـديـة أخـرى رسـمـهـا في نـفـس الـعـام :

 


ولـديـنـا لـوحـة (23×30 سـم.) نـفـذهـا عـام 1959 بـألـوان شـمـعـيـة سـخّـنـهـا وفـرشـهـا طـبـقـة فـوق طـبـقـة عـلى لـوح خـشـبي، وفـركـهـا بـقـوّة في خـطـوط عـريـضـة وحـفـر أخـاديـد مـفـرغـة فـيـهـا :

 


وأقـام رومـان أرتِـمـوفـسـكي مـعـرضـه الـشّـخـصي الأوّل في شـبـاط 1959. ولاحـظ الـنّـقـاد أنّ أسـلـوبـه في الأعـمـال الـفـنّـيـة الـمـعـروضـة قـد تـغـيّـر بـعـد رحـلـتـه الّـتي كـان قـد قـام بـهـا إلى إيـطـالـيـا. وهـو مـا سـبـق أن لاحـظـنـاه في لـوحـتـه : "مـديـنـة نـابـولي". وكـتـب أحـد الـنّـقـاد أنّ أرتِـمـوفـسـكي "أفـصـح فـيـهـا عـن خـيـال شـاعـري".

 رومـان أرتِـمـوفـسـكي  في بـغـداد :

وصـل رومـان أرتِـمـوفـسـكي في شـهـر حـزيـران مـن نـفـس الـعـام 1959، إلى بـغـداد لـيـنـظّـم فـيـهـا مـعـرضـاً عـن الـفـنّ الـبـولـنـدي الـمـعـاصـر، ولـيـشـرف عـلـيـه. وأقـيـم الـمـعـرض في مـعـهـد الـفـنـون الـجـمـيـلـة وفي ثـانـويـة الـتّـحـريـر.

وفي بـغـداد، تـعـاقـد مـعـه مـعـهـد الـفـنـون الـجـمـيـلـة لـيـدرّس فـنّ الـغـرافـيـك (الـحـفـر والـطّـبـاعـة). وبـدأ الـتّـدريـس في الـسّـنـة الـدّراسـيـة 1959ــ 1960.

وكـتـب الـفـنّـان رافـع الـنّـاصـري : "وبـسـبـب الإمـكـانـيـات الـمـادّيـة الـبـسـيـطـة لـلـمـعـهـد في ذلـك الـوقـت فـقـد اسـتـوردت مـاكـنـتـان لـلـطّـبـاعـة : واحـدة لـطـبـاعـة الـزّنـك والـنّـحـاس، والأخـرى لـطـبـاعـة الـلـيـثـوغـراف. وكـانـتـا مـسـتـعـمـلـتـيـن وقـديـمـتي الـصّـنـع، لـكـنّـهـمـا كـانـتـا تـكـفـيـات لـبـدايـة مـدرسـيـة مـتـواضـعـة". (3)

واسـتـمـرّ رومـان أرتِـمـوفـسـكي عـام 1960 يـنـفّـذ لـوحـاتـه الـزّيـتـيـة بـفـركـات فـرشـاة مـسـتـطـيـلـة غـامـقـة الألـوان :

 


  ونـحـن نـعـرف أنّـه مـارس في تـلـك الـفـتـرة خـاصّـة الـرّسـم بـالألـوان الـمـائـيـة الّـذي أصـبـح بـعـد ذلـك تـقـنـيـتـه الـمـفـضّـلـة. وانـضـمّ إلى جـمـعـيـة الـفـنّـانـيـن الـعـراقـيـيـن.

 ويـظـهـر نـفـس مـوضـوع الـخـطـوط الـعـمـوديـة الـسّـوداء الـثّـخـيـنـة، ولـكـن بـشـفـافـيـة أكـبـر في رسـم بـالألـوان الـمـائـيـة (24×18 سـم.) نـفّـذه في نـفـس الـعـام، 1960، وعـنـونـه "نـسـاء عـربـيـات         Arabskie kobiety":

 


وفي رسـم آخـر مـن نـفـس الـعـام ظـهـر لـون أحـمـر كـتـم الـفـنّـان أغـلـب أجـزائـه بـالـبـيـاض، وتـسـلـلـت في أعـلى يـمـيـنـه بـقـعـة صـفـراء مـن نـور بـغـداد :

 


وتـتـمـلـكـنـا الـدّهـشـة عـنـدمـا نـتـأمّـل لـوحـة رسـمـهـا في نـفـس عـام 1960، تـغـيّـر جـوّهـا تـمـامـاً، وغـمـرهـا ضـوء بـغـداد الـمـشـعّ. وتـبـهـرنـا تـدرّجـات نـورهـا الأصـفـر :


  

 وتـبـعـتـه زوجـتـه صـوفـيـا أرتـمـوفـسـكـا إلى بـغـداد، وأقـامـت فـيـهـا مـعـه. ودرّسـت الـرّسـم وفـنّ الـجـداريـات في مـعـهـد الـفـنـون الـجـمـيـلـة وفي ثـانـويـة الـتّـحـريـر خـلال الـسّـنـة الـدّراسـيـة 1959 ــ 1960، قـبـل أن تـعـود إلى بـولـنـدة.


 

 ونـفّـذت صـوفـيـا أرتـمـوفـسـكـا  عـام 1959، أعـمـالاً فـنّـيـة بـالـفـسـيـفـسـاء عـلى خـلـفـيـات مـتـنـوعـة الـزّرقـة الـغـامـقـة والـمـضـيـئـة تـتـخـلـلـهـا عـروق بـاهـرة الإصـفـرار أو عـمـيـقـة الـعـنـبـريـة والـكـهـرمـانـيـة  :


 

ويـذكـر الـفـنّـان رافـع الـنّـاصـري أنّ رومـان أرتِـمـوفـسـكي عـاد إلى بـلـده بـعـد انـتـهـاء الـسّـنـة الـدّراسـيـة، ولـكـنّ الـمـعـهـد اسـتـدعـاه مـن جـديـد "لـيـؤسـس فـيـه مـشـغـلاً مـتـواضـعـاً لـلـكـرافـيـك (وقـد ألـحـق بـعـد ذلـك بـمـعـهـد الـمـدرّسـيـن الـعـالي الّـذي أسـمي بـعـد ذلـك أكـاديـمـيـة الـفـنـون الـجـمـيـلـة ثـمّ كـلـيـة الـفـنـون الـجـمـيـلـة). وحـقـق طـلـبـة أرتِـمـوفـسـكي في هـذا الـمـشـغـل الـبـسـيـط أولى الـطّـبـعـات الـكـرافـيـكـيـة بـالـزّنـك والـلـيـثـوغـراف. وبـعـد سـنـوات تـخـرّجـهـم تـخـصـصـوا بـفـنّ الـغـرافـيـك". (3)

 بـيـن بـولـنـدة والـعـراق :

وقـد اسـتـمـرّت نـشـاطـات رومـان أرتِـمـوفـسـكي في بـولـنـدة رغـم إقـامـتـه في بـغـداد، فـتـرأس عـام 1960 الـقـسـم الـفـنّي مـن مـجـلّـة (The Polish Review) الّـذّي اسـتـمـر في تـرأسـه حـتّى عـام 1969.

وأقـام عـام 1961 مـعـرضـه الـشّـخـصي الـثّـاني في غـالـيـري (ZPAP) في وارشـو، وعـرض فـيـه أعـمـالاً بـالألـوان الـمـائـيـة رسـمـهـا بـيـن عـامي 1958 و 1961.

وبـعـد أن تـأسـسـت أكـاديـمـيـة الـفـنـون الـجـمـيـلـة في بـغـداد، تـرأس رومـان أرتِـمـوفـسـكي قـسـم الـغـرافـيـك فـيـهـا مـن 1962 إلى 1967.

وفي عـام 1962، بـدأت صـوفـيـا أرتِـمـوفـسـكـا الـعـمـل في وارشـو في مـجـلّـة (Argumenty)  الـفـنّـيـة.

وقـد أكـرمـت نـقـابـة الـمـعـلّـمـيـن الـعـراقـيـة عـام 1963 رومـان أرتِـمـوفـسـكي بـ "مـدالـيـة الـتّـدريـس".

ولـديـنـا رسـم بـالألـوان الـمـائـيـة نـفّـذه رومـان أرتِـومـوفـسـكي عـام 1963، نـرى فـيـه اسـتـعـمـالـه لـمـسـاحـات لـونـيـة مـسـتـطـيـلـة أفـقـيـة مـضـيـئـة تـحـيـطـهـا مـسـحـات فـرشـاة مـعـتـمـة :

 


وشـارك في الـمـعـرض الـسّـنـوي الـسّـابـع لـجـمـعـيـة الـفـنّـانـيـن الـعـراقـيـيـن (مـن 9 إلى 23 كـانـون الأوّل 1964) في قـاعـة الـمـتـحـف الـوطـني لـلـفـنّ الـحـديـث بـأربـع أعـمـال "تـلـصـيـق" : صـورة رقـم 2، صـورة رقـم 4، صـورة رقـم 5، صـورة رقـم 10. ولا نـجـد في دلـيـل الـمـعـرض صـوراً لـهـذه الأعـمـال الـفـنّـيـة.

 ومـن الـمـحـتـمـل أن تـكـون هـذه الأعـمـال مـن مـجـمـوعـة مـا اسـمـاه (Znak)، وهي مـعـيـنـيـة الـشّـكـل، اسـتـعـمـل فـيـهـا خـطـوطـاً مـسـتـقـيـمـة وأنـصـاف دائـريـة. ولـديـنـا صـورة لـعـمـلـه (Znak 1) الّـذي نـفّـذه عـام 1964 :

 


كـمـا شـاركـت زوجـتـه صـوفـيـا أرتِـمـوفـسـكـا، الّـتي كـانـت قـد لـحـقـت بـه في بـغـداد مـن جـديـد، في نـفـس الـمـعـرض الـسّـنـوي الـسّـابـع لـجـمـعـيـة الـفـنّـانـيـن الـعـراقـيـيـن، 1964، بـلـوحـة زيـتـيـة : شـكـل، وثـلاثـة أعـمـال "مـونـوتـايـب" : سـهـل، غـريـب، في الـمـاضي.

 وسـافـر رومـان أرتِـمـوفـسـكي إلى إسـبـانـيـا وفـرنـسـا خـلال عـام 1964.

مـعـرض في بـغـداد عـام 1965 :

أقـام رومـان أرتِـمـوفـسـكي في ذلـك الـعـام، 1965، مـعـرضـاً شـخـصـيّـاً لأعـمـالـه الـفـنّـيـة في قـاعـة الـواسـطي "تـحـوّل إلى ظـاهـرة تـشـكـيـلـيـة" كـمـا كـتـبـه الـفـنّـان شـاكـر حـمـد :

"عـرض فـيـه [أرتِـمـوفـسـكي] نـوعـاً جـديـداً مـن حـيـث الأسـلـوب ومـادّة الـعـمـل، وحـتّى طـريـقـة الـعـرض وتـنـسـيـق وحـفـظ الـعـمـل الـمـعـروض. وكـشـف الـمـعـرض عـن تـجـربـة واحـدة مـتـجـانـسـة في أهـدافـهـا وغـايـاتـهـا، فـالـلـوحـات ورقـيـة بـحـجـم واحـد، كـبـيـر نـسـبـيـاً : 60/80 سـم. وكـانـت مـنـفّـذة بـالألـوان الـمـائـيـة وبـالـلـون الأسـود (مـجـازاً). واتّـخـذت جـمـيـع الـلـوحـات نـسـقـاً عـمـوديـاً في الـعـرض، مـمـا يـدلّ عـلى أنّـهـا رسـمـت في فـتـرة واحـدة.

"ولأنّ قـاعـة الـواسـطي لـم تـسـتـوعـب عـرض كـلّ الأعـمـال فـقـد عـرض في وسـط الـقـاعـة عـدد مـن الـلـوحـات عـلى مـسـنـد مـفـتـوح يـتـيـح لـلـزّائـر تـقـلـيـبـهـا لـيـراهـا مـن الـوجـهـيـن، فـكـلّ [حـامـلـة] تـضـمّ لـوحـتـيـن [ظـهـر الـواحـدة عـلى ظـهـر الأخـرى].

"تـتـمـيّـز لـوحـات أرتِـمـوفـسـكي الـمـائـيـة [في تـلـك الـفـتـرة] بـاقـتـصـاد في الألـوان. والـعـنـصـر الـمـهـيـمـن هـو الأسـود بـيـنـمـا يـتـلاشى الأبـيـض وسـط مـوجـات ضـبـابـيـة. والـورقـة مـشـغـولـة كـلّـيـاً. (1)

وشـاركـت صـوفـيـا أرتـمـوفـسـكـا في الـمـعـرض الـسّـنـوي الـثّـامـن لـجـمـعـيـة الـفـنّـانـيـن الـعـراقـيـيـن عـام 1965، في قـاعـة الـمـتـحـف الـوطـني لـلـفـنّ الـحـديـث (كـولـبـنـكـيـان) بـلـوحـتـيـن زيـتـيـتـيـن : ريـح، أغـنـيـة زرقـاء، وبـلـوحـة مـونـوتـايـب : هـيـرا الـذّهـبـيـة.

ولـديـنـا لـهـا مـن نـفـس الـعـام لـوحـة في وسـطـهـا تـشـكـيـل يـسـيـل مـن الأعـلى نـحـو الأسـفـل (أم هـل يـرتـفـع مـن الأسـفـل إلى الأعـلى ؟) ويـتـفـرع فـروعـاً مـثـل روافـد نـهـر عـلى خـلـفـيـة زرقـاء :

 


 وفي عـام 1966، عـيّـن رومـان أرتِـمـوفـسـكي مـديـراً لـقـسـم الـغـرافـيـك في أكـاديـمـيـة الـفـنـون الـجـمـيـلـة.

واسـتـمـرّ رومـان أرتِـمـوفـسـكي يـرسـم لـوحـات بـالألـوان الـمـائـيـة، مـسـتـعـملاً لـونـاً واحـداً، لـديـنـا واحـدة مـنـهـا رسـمـهـا ذلـك الـعـام، بـتـشـكـيـلات هـنـدسـيـة أفـقـيـة وعـمـوديـة :

 

 


واسـتـمـرّ مـسـتـعـمـلاً في أعـمـالـه الـفـنّـيـة خـطـوطـاً مـسـتـقـيـمـة وأنـصـاف دائـريـة، مـثـل لـوحـتـه الّـتي رسـمـهـا عـام 1967 :

 أمّـا صـوفـيـا أرتـمـوفـسـكـا فـقـد اسـتـمـرت بـتـنـفـيـذ أعـمـالـهـا الـفـسـيـفـسـائـيـة الّـتي تـخـتـرقـهـا عـروق مـتـفـرّعـة بـألـوان مـضّـادة لألـوان الـخـلـفـيـة، مـثـل مـا فـعـلـتـه عـام 1966 :

 


واسـتـمـرّت إقـامـة صـوفـيـا أرتـمـوفـسـكـا في بـغـداد إلى عـام 1968، ثـمّ عـادت إلى بـولـنـدة.

 وقـد رسـمـت عـام 1968 لـوحـات مـعـيـنـيـة الـشّـكـل قـاطـعـت فـيـهـا خـطـوطـاً أفـقـيـة وعـمـوديـة أضـفـت عـلـيـهـا عـمـقـاً وتـوحي بـإضـاءة تـنـبـثـق مـن خـلـفـيـتـهـا :

 وعـرض رومـان أرتِـمـوفـسـكي  عـام 1968 مـجـمـوعـة أعـمـالـه : "سـرابMiraze  " في غـالـيـري فـنّ في وارشـو. وقـد لاحـظ نـقـاد الـفـنّ أنّـه لـم يـصـور الـنّـاس ولا الـمـشـاهـد الـحـضـريـة أو الـرّيـفـيـة ولا الـمـنـاظـر الـطـبـيـعـيـة مـبـاشـرة، رغـم أنّـه اسـتـوحى أغـلـب أعـمـالـه الـتّـجـريـديـة مـن إقـامـتـه في الـعـراق، ولـكـنّـه حـول كـلّ مـا رآه إلى خـطـوط وألـوان وأضـواء شـفـافـة.

وقـد نـفـذ بـيـن عـامَي 1968 و 1971 مـجـمـوعـة مـن الـرسـوم بـالألـوان الـمـائـيـة الّـتي أصـبـحـت فـيـهـا الـمـنـاظـر الـطّـبـيـعـيـة مـنـبـعـاً لأبـحـاث أسـلـوبـيـة مـتـنـوّعـة. وكـان أرتِـمـوفـسـكي يـلـتـقـط صـوراً خـلال أسـفـاره في الـشّـرق وخـاصّـة في الـعـراق، ويـحـوّلـهـا إلى "سـلايـدات" شـديـدة الإضـاءة. وهـذا مـا يـظـهـر أيـضـاً في ألـوانـه الـمـائـيـة.        

ولـم يـكـن يُـعـدّ لـوحـاتـه بـرسـوم تـحـضـيـريـة. وقـد ذكـر مـراراً أنّ لـوحـاتـه الـواسـعـة الـمـقـايـيـس لـم تـكـن تـعـتـمـد عـلى رسـومـه الـصّـغـيـرة الّـتي كـان يـسـتـعـمـل فـيـهـا الألـوان الـمـائـيـة أو الـغـواش والـكـولاج، بـل أنّ كـلّ واحـد مـن أعـمـالـه كـان لـه وجـوده الـخـاصّ واسـتـقـلالـه الـتّـام.

وبـيـن عـامَي 1969 و1971 تـرأس مـحـتـرف الـرّسـم في الـمـدرسـة الـوطـنـيـة لـلـفـنـون الـجـمـيـلـة الّـتي أصـبـحـت الآن أكـاديـمـيـة الـفـنـون الـجـمـيـلـة في لـودز Łodzi (وتـلـفـظ وودج). وتـعـتـبـر لـودز ثـالـث مـدن بـولـنـدة في الأهـمـيـة والإتّـسـاع.

ورسـم في عـام 1969  لـوحـة "ضـوء  Poludnie" بـالألـوان الـمـائـيـة، واسـتـعـمـل فـيـهـا "كـولاج" شـقّـه أفـقـيـاً بـسـكـيـن عـلى طـريـقـة الـفـنّـان لـوتـشـيـو فـونـتـانـا Lucio Fontana  :

 


وهـو أقـدم عـمـل فـنّي وجـدتـه لـه تـظـهـر فـيـه دائـرة مـضـيـئـة مـتـكـامـلـة. وكـتـب الـفـنّـان مـظـهـر أحـمـد أنّ أسـتـاذه رومـان أرتِـمـوفـسـكي ذكـر لـه أنّـه كـان ذاهـبـاً إلى الـمـوصـل مـع زوجـتـه صـوفـيـا بـالـسّـيّـارة لـزيـارة بـعـض الآثـار، عـنـدمـا شـاهـد في الـطّـريـق غـروب الـشّـمـس : "ومـن تـلـك الـلـحـظـة بـدأتُ بـتـجـربـة جـديـدة في رسـم الـدّائـرة مـسـتـخـدمـاً كـلّ الـتّـقـنـيـات الـطّـبـاعـيـة والـرّسـم، وإلى حـدّ الآن". (4)

 وقـد اسـتـمـرّ ظـهـور الـدّائـرة في أعـمـالـه الـفـنّـيـة حـتّى فـتـرتـه الأخـيـرة، وخـاصّـة عـنـدمـا أصـبـحـت شـمـسـاً فـوق الأفـق.

 واشـتـغـل رومـان أرتِـمـوفـسـكي عـام 1970 بـتـنـفـيـذ جـداريـة فـسـيـفـسـاء واسـعـة في مـديـنـة لـودز. ثـمّ درّس في أكـاديـمـيـتـهـا مـن عـام 1971 إلى عـام 1974، وعـيّـن عـمـيـداً لـهـا. وفـتـح فـرعـاً لـلـفـنـون الـغـرافـيـكـيـة فـيـهـا.

 وعـيّـنـت زوجـتـه صـوفـيـا أرتِـمـوفـسـكـا عـام 1971 أسـتـاذة في أكـاديـمـيـة الـفـنـون الـجـمـيـلـة في فـروسـلافـيـو Wrocławiu، ودرّسـت الـتّـصـمـيـم الـدّاخـلي والـتّـصـمـيـم الـصّـنـاعي.

 ورسـمـت في ذلـك الـعـام لـوحـات مـعـيـنـيـة الـشّـكـل بـأسـلـوب الأوب آرت Op Art  (وهي اخـتـصـار لـمـصـطـلـح(Optical Art   لـتـدلّ عـلى حـركـة فـنّـيـة بـدأت في سـتـيـنـيـات الـقـرن الـمـاضي، تـسـتـعـمـل أمـكـانـيـات الـخـداع الـبـصـري :

 ورسـم رومـان عـام 1972 لـوحـة "ضـوء 2  Swiatlo II" بـالألـوان الـمـائـيـة، واسـتـعـمـل فـيـهـا "الـكـولاج" :

 


وحـصـل رومـان أرتِـمـوفـسـكي عـام 1973 عـلى جـائـزة وزارة الـثّـقـافـة والـفـنـون الـبـولـنـديـة، وعـلى الـمـدالـيـة الـعـلـيـا في تـريـنـالي الـرّسـم في فـروسـلافـيـو عـام 1974. وتـرأس في الـسّـنـة الـدّراسـيـة 1975ــ 1976  فـرع الـرّسـم في أكـاديـمـيـة وارشـو لـلـفـنـون الـجـمـيـلـة. وفي عـام 1976 تـرأس حـلـقـة دراسـيـة في كـلـيـة فـنـون جـامـعـة دمـشـق. ومـنـهـا عـاد مـن جـديـد إلى بـغـداد لـيـشـرف عـلى طـلاب الـدراسـات الـعـلـيـا في أكـاديـمـيـة الـفـنـون الـجـمـيـلـة.

وفي عـام 1977، لـحـقـت بـه زوجـتـه صـوفـيـا أرتـمـوفـسـكـا في بـغـداد لـلـمـرّة الـثّـالـثـة. وتـرأس في صـيـف 1978  مـحـتـرف الـغـرافـيـك في مـديـنـة أزيـلا (أصـيـلـة) في الـمـغـرب، وأشـرف عـلى حـلـقـة دراسـيـة فـيـهـا.

ولـديـنـا لـوحـة مـعـيـنـيـة الـشّـكـل بـالأكـريـلـيـك عـلى قـمـاش (84×84 سـم.) رسـمـهـا عـام 1978 :

 

وأخـرى نـفـذهـا في نـفـس الـعـام :

  

مـا بـعـد بـغـداد :

عـاد رومـان أرتِـمـوفـسـكي  في عـام 1979، مـع زوجـتـه صـوفـيـا، نـهـائـيـاً إلى بـولـنـدة، وأنـشـأ مـخـتـبـر أرتِـمـوفـسـكي الـتّـكـنـولـوجي في كـلـيـة الـفـنـون الـجـمـيـلـة في وارشـو، الّـذي اسـتـمـرّ يـشـتـغـل فـيـه حـتّى عـام 1982.

وأقـام عـام 1983 مـعـرضـاً لـرسـومـه وأعـمـالـه الـغـرافـيـكـيــة في غـالـيـري فـنّ في مـديـنـة لـودز. ووضـع عـلى الـبـوسـتـر الّـذي طـبـع لـه لـوحـة مـن أسـلـوبـه في تـلـك الـفـتـرة :

 


ونـال عـام 1984 الـجـائـزة الـثّـانـيـة في أوّل تـرنـيـالي لـلـرّسـوم بـالألـوان الـمـائـيـة الّـذي أقـيـم في مـديـنـة لـولـبـيـني.

 أمّـا زوجـتـه صـوفـيـا فـقـد عـادت إلى تـدريـس الـتّـصـمـيـم الـدّاخـلي والـتّـصـمـيـم الـصّـنـاعي في أكـاديـمـيـة الـفـنـون الـجـمـيـلـة في فـروسـلافـيـو  Wroclawiu. واسـتـمـرّت في الـتّـدريـس فـيـهـا إلى عـام 1983.

 وعـاد رومـان أرتِـمـوفـسـكي إلى بـغـداد في مـنـتـصـف الـثّـمـانـيـنـات، ربّـمـا في 1986،  حـسـب مـا يـتـذكّـره الـفـنّـان مـظـهـر أحـمـد، والـتـقى فـيـهـا بـبـعـض زمـلائـه وطـلّابـه الـقـدمـاء.

ولـديـنـا لـوحـة لـه نـفـذهـا عـام 1987 :

وفي 1988ــ 1889،عـيّـن عـمـيـداً لـكـلـيـة الـفـنـون الـجـمـيـلـة في وارشـو، ثـمّ اسـتـمـرّ يـدرّس فـيـهـا حـتّى عـام 1993.

 وأسـس عـام 1992، مـع  زوجـتـه صـوفـيـا أرتِـمـوفـسـكـا في مـديـنـة لـوفـيـتـش (Lowicz) مـؤسـسـة لـتـنـمـيـة الـفـنّ الـبـصـري الـبـولـنـدي                    "Promocja Polskiej Sztuki Wizualnej".

 وتـوفي رومـان أرتِـمـوفـسـكي في بـدايـة سـنـة 1993، وتـوفـيـت زوجـتـه صـوفـيـا أرتِـمـوفـسـكـا في وارشـو سـنـة 2000.

شـمـس الـصّـحـراء :

أقـيـم عـام 2003 في كـراكـوف مـعـرض "في دائـرة الـشّـمـس  W Kregu slonca"، عـرضـت فـيـه أعـداد مـن الأعـمـال الـشّـمـسـيـة لـرومـان أرتِـمـوفـسـكي. وانـتـقـل الـمـعـرض بـعـد ذلـك إلى وارشـو.

وصـدر في وارشـو عـام 2004، كـتـاب لـمـجـمـوعـة مـن الـمـؤلّـفـيـن عـن "الـمـواضـيـع الـعـربـيـة" في الأعـمـال الـفـنّـيـة الّـتي نـفـذهـا رومـان أرتِـمـوفـسـكي خـلال الـسّـنـوات الّـتي أقـام فـيـهـا في الـعـراق، والّـتي عـرضـت في مـعـرض عـام 2003. والـكـتـاب بـثـلاث لـغـات : الـبـولـنـديـة والإنـكـلـيـزيـة والـعـربـيـة. وقـد كُـتـب اسـم الـفـنّـان بـالـلـغـة الـعـربـيـة : "رومـان أرتـيـمـوفـسـكي، شـاعـر الألـوان" :

 


مـلـحـق

أرتِـمـوفـسـكي وطـلّابـه في بـغـداد

"كـان مـن أبـرز طـلـبـة أرتِـمـوفـسـكي في أكـاديـمـيـة الـفـنـون الـجـمـيـلـة في بـغـداد هـاشـم سـمـرجي وسـالـم الـدّبّـاغ ومـهـدي مـطـشـر ويـحـيى الـشّـيـخ ومـحـمـود عـلي" (5)

وقـد وجـدت نـصّـيـن عـن طـريـقـة تـدريـس أرتِـمـوفـسـكي وعـلاقـاتـه مـع طـلـبـتـه :

كـتـب الـفـنّـان شـاكـر حـمـد مـقـالاً شـديـد الأهـمـيـة عـن أسـتـاذه : "آرتـمـوفـسـكي، الـمـعـلّـم الإسـتـثـنـائي"، نـشـره عـام 2020 . (1) وقـد كـان شـاكـر حـمـد "أحـد طـلـبـة الـدّورة الـثّـانـيـة في الأكـاديـمـيـة، قـسـم الـرّسـم"، ودرّسـه رومـان أرتِـمـوفـسـكي  : "الـتّـخـطـيـط والألـوان في الـسّـنـة الأولى، ثـمّ شـمـلـت دروسـه الـحـفـر عـلى الـزّنـك والـطّـبـاعـة الـحـجـريـة "الـلـيـثـوغـراف".

وقـد ذكـر أنّ أسـتـاذه : 

"كـان يـعـمـل بـيـديـن حـرفـيـتـيـن مـاهـرتـيـن، سـواء كـان الـعـمـل تـنـظـيـف الـحـجـر وصـقـلـه لـتـحـضـيـر سـطـح مـسـتـوي لـرسـم الـحـبـر، أو كـانـت مـلاحـظـاتـه إرشـاديـة وتـصـحـيـحـيـة. وكـانـت مـلاحـظـاتـه بـكـلـمـات عـربـيـة مـازحـة، ولا يـحـتـاج إلى شـرح بـالإنـكـلـيـزيـة".

كـمـا كـتـب عـن درسـه في الـتّـخـطـيـط  : "كـان لـكـلّ درس مـادّتـه ومـوضـوعـه الـمـطـلـوب، فـتـارة يـطـلـب رسـم الـمـوديـل كـامـلاً عـلى ورقـة بـقـيـاس 100/70 وبـالـقـلـم الـرّصـاص أو بـالـفـحـم، وتـارة أخـرى يـطـلـب رسـم الـوجـه بـالـحـبـر.

"درس الألـوان لـلـصّـف الأوّل كـان عـلى ضـفـاف نـهـر دجـلـة، شـاطئ الـرّصـافـة، مـنـطـقـة الـعـيـواضـيـة. درس آخـر لـلـتّـخـطـيـط في مـتـحـف الـتّـأريـخ الـطّـبـيـعي.

"يـقـدّم لـه الـطّـلّاب تـخـطـيـطـاتـهـم (الـبـيـتـيـة)، أو تـلـك الّـتي يـرسـمـونـهـا في الـمـقـاهي والأسـواق فـيـقـتـرح تـنـفـيـذ هـذا الـتّـخـطـيـط أو ذاك طـبـاعـيـاً.

"لا أحـد مـن طـلّاب آرتـمـوفـسـكي يـنـسى تـلـك الأيّـام الّـتي كـان فـيـهـا الأسـتـاذ يـقـود مـجـمـوعـة مـن الـشّـبـاب سـيـشـكّـلـون مـا أزعـم تـسـمـيـتـه بـ "الـظّـاهـرة الأرتِـمـوفـسـكـيـة" في الـرّسـم الـعـراقي، والّـتي تـزامـنـت مـع مـوجـة الـتّـجـديـد في الـعـقـد الـسّـتـيـني. وشـمـلـت الـظّـاهـرة تـيّـاراً يـمـيـل إلى الإقـتـصـاد في الألـوان بـتـأثـيـر الـمـادّة الـكـرافـيـكـيـة وانـتـقـال حـسـاسـيـتـهـا إلى الـسّـطـوح الأخـرى والـرّسـم الـزّيـتي والـكـولاج وكـثـافـة الـمـادّة والـتّـعـامـل مـع الـسّـطـوح والـتّـمـرّد عـلى الـشّـكـل الـمـربّـع أو الـمـسـتـطـيـل لـسـطـح الـرّسـم الـمـألـوف ودخـول الـكـولاج كـمـادة رئـيـسـيـة في الـعـمـل الـتّـشـكـيـلي. والـكـولاج هـو اسـتـعـارة شـكـل ومـادّة غـريـبـة عـن مـادّة الـرّسـم الأصـلـيـة. وهـكـذا عـرض الـشّـبـاب (الـمـجـددون) خـلاصـة الإنـزيـاح الأوّل في مـعـرض الـمـجـدديـن في قـاعـة (أيـا) لـرفـعـت الـجـادرجي عـام 1965.

"مـن أهـم الـدّروس الّـتي ألـقـاهـا أرتِـمـوفـسـكي عـلى طـلّابـه كـان درس الـتّـمـرّد عـلى الـشّـكـل الـرّاكـد في الـذّاكـرة، فـلـكـلّ فـنّـان تـقـالـيـد ومـنـظـومـات مـن الـعـنـاصـر الـتّـشـكـيـلـيـة والـمـفـردات.  وهي بـحـكـم الـزّمـن والـتّـكـرار قـد تـتـحـوّل إلى ثـوابـت تـجـاوزهـا الـزّمـن، وحـلّـت في الأفـق عـنـاصـر جـديـدة لـم يـشـعـر بـهـا الـفـنّـان". (1)

وكـتـب الـفـنّـان مـظـهـر أحـمـد، في حـوار طـويـل أجـراه مـعـه في وارشـو عـام 1984ــ 1985، مـا ذكـره لـه رومـان أرتِـمـوفـسـكيعـن تـدريـسـه لـفـنّ الـغـرافـيـك في بـغـداد :

"كـنـت أنـظـر إلى كـلّ شئ بـعـيـنـيـن جـديـدتـيـن، وكـنـت أراه فـنّـاً. وعـنـدمـا تـجـوّلـت في الأمـاكـن الأثـريـة في الـعـراق واشـتـريـت بـعـض الـقـطـع الـمـحـلّـيـة مـن مـحـافـظـة كـربـلاء، نـقـلـتـهـا إلى الـطـلـبـة، وقـلـت لـهـم : "هـذا هـو الـغـرافـيـك"، فـقـالـوا "لا، نـحـن نـريـد الـغـرافـيـك الـحـديـث"، فـذهـبـنـا بـسـفـرة إلى كـربـلاء لـنـكـتـشـف أنّ الـنّـاس هـنـاك قـامـوا بـابـتـكـار طـريـقـة مـذهـلـة، وهي أخـذ مـقـطـع صـغـيـر مـن إطـار سـيّـارة قـديـم ووضـعـه عـلى مـاسـكـة خـشـبـيـة ويـصـبـح بـمـثـابـة الـخـتـم ويـطـبـع عـلى الـقـمـاش".

ويـعـلّـق الـفـنّـان مـظـهـر أحـمـد : "هـذه الـعـمـلـيـة تـؤكّـد أنّ الـغـرافـيـك كـمـادّة مـوجـودة في الـعـراق، وقـد ذكـرهـا أرتِـمـوفـسـكي لـلـطّـلـبـة. ولـكـن يـبـدو أنّ الـطّـلـبـة في ذلـك الـوقـت لـم يـدركـوا الـفـرق بـيـن الـعـمـل الـفـنّي ومـصـدره". (6)

 

ــــــــــــــــــــــــــ

(1) شـاكـر حـمـد، "آرتـمـوفـسـكي، الـمـعـلّـم الإسـتـثـنـائي"، مـقـال نـشـر في مـوقـع "الـحـوار الـمـتـمـدّن"، عـدد 6669، في 6 أيـلـول 2020.

وقـد لـفـتـت الأديـبـة ونـاقـدة الـفـنّ مي مـظـفـر انـتـبـاهي إلى هـذا الـمـقـال الـشّـديـد الأهـمـيـة وأرسـلـت لي مـنـه نـسـخـة، فـلـهـا مـنّي جـزيـل شـكـري وامـتـنـاني. 

(2)  أسـس عـدد مـن طـلّاب أكـاديـمـيـة الـفـنـون الـجـمـيـلـة في كـراكـوف، بـولـنـدة، عـام 1923، جـمـاعـة أسـمـوهـا "لـجـنـة بـاريـس Komitet Paryski، والّـتي اخـتـصـرت بعـد ذلـك إلى كـابـسـت  Kapists. وكـان رأس الـحـركـة يـان سـيـبـس   Jan Cybis. وشـارك فـيـهـا يـوسـف جـابـسـكي  Josef CZAPSKY.

وكـانـت الـجـمـاعـة تـدعـو إلى تـخـلـيـص الـفـنّ مـن الـتّـقـالـيـد الـتّـاريـخـيـة ومـن الـرّمـزيـة وتـحـاشي الـتّـأثـيـرات الأدبـيـة، ولـكـنّ هـدفـهـا الـرّئـيـسي كـان تـنـظـيـم نـشـاطـات لـجـمـع مـبـلـغ مـن الـمـال يـسـاعـدهـم عـلى الـسّـفـر إلى بـاريـس.
وعـنـدمـا وصـل بـعـضـهـم إلى بـاريـس في 1924 بـدأوا بـزيـارة الـمـتـاحـف بـطـريـقـة مـنـهـجـيـة لـيـدرسـوا فـيـهـا مـا وجـدوه مـن لـوحـات الإنـطـبـاعـيـيـن ومـا بـعـد الإنـطـبـاعـيـيـن مـن وحـشــيـيـن  Les Fauves  وتـكـعـيـبـيـيـن  Les Cubistes  وفـنـانـيـن مـن مـدارس أخـرى. واهـتـمـوا بـأعـمـال بـول ســيـزان                      Paul Cézanne  اهـتـمـامـاً شــديـداً.
كـمـا عـمّـقـوا مـعـرفـتـهـم بـأعـمـال بـيـيـر بـونـار الّـتي كـانـوا قـد تـعـرفـوا عـلـيـهـا خـلال دراسـتـهـم في كـاركـوف. وكـتـب جـابـسـكي في كـتـابـه "الـفـن والـحـيـاة" : "كـان فـنّ بـونـار يـمـثّـل لي ولا يـزال "جـنّـة مـفـقـودة". وهـو الـحـلـقـة الـنّـهـائـيـة لـلـمـدرسـة الـفـرنـسـيـة الـعـظـيـمـة". وكـانـوا مـن روّاد الـتّـيّـار الـتّـلـويـني الّـذي كـان مـن أبـرز الإتـجـاهـات الـفـنّـيـة في بـولـنـدة في فـتـرة مـا بـيـن الـحـربـيـن.

أنـظـر مـقـالي : "هـوامـش عـلى تـاريـخ الـفـنّ الـعـراقي الـحـديـث (4) : يـوسـف جـابـسـكي، أهـمّ الـفـنّـانـيـن الـبـولـنـديـيـن في بـغـداد عـام 1943" الـمـنـشـور في مـدونـة "الـمِـلْـوَنـة" :

https://almilwana.blogspot.com/2015/04/4-1943-1943.html

(3) رافـع الـنّـاصـري، فـنّ الـغـرافـيـك الـمـعـاصـر، ص. 39 ـ 40. وانـظـر كـذلـك كـتـابـه : آفـاق ومـرايـا، (ص. 29).

 (4) مـن رسـالـة اسـتـلـمـتـهـا مـنـه في 22 حـزيـران 2022. وكـان أرتِـمـوفـسـكي أسـتـاذ الـفـنّـان مـظـهـر أحـمـد في قـسـم الـغـرافـيـك وفـرع الـلـيـثـوغـراف في ثـمـانـيـنـات الـقـرن الـمـاضي. وأشـرف عـلى أطـروحـة الـمـاجـسـتـيـر الّـتي حـضّـرهـا في أكـاديـمـيـة الـفـنّـون الـجـمـيـلـة في وارشـو، بـولـنـدة. وسـجّـل مـعـه حـواراً عـام 1984ــ 1985.

(5)  رافـع الـنّـاصـري "آفـاق ومـرايـا" صـفـحـة 29.

(6) مـن مـقـال : "مـظـهـر أحـمـد حـاضـر بـقـوّة أخـتـامـه"، مـوقـع إيـلاف، 27 كـانـون الـثّـاني 2016.


©حـقـوق الـنّـشـر مـحـفـوظـة لـلـدّكـتـور صـبـاح كـامـل الـنّـاصـري 

يـرجى طـلـب الإذن مـن الـكـاتـب قـبـل إعـادة نـشـر هـذا الـمـقـال.