vendredi 6 juillet 2018

مـن تـاريـخ الـنّـحـت الـعـراقي (1) : تـمـاثـيـل غـوديـا، أمـيـر لـغـش





  
الـدّكـتـور صـبـاح الـنّـاصـري




غـوديـا، أمـيـر لـغـش : 

كـان غـوديـا أهـمّ حـكّـام مـا يـسـمى بـسـلالـة لـغـش الـثّـانـيـة. وكـانـت مـديـنـة لـغـش (أو لـكـش) هـذه مـركـز دويـلـة صـغـيـرة في جـنـوب بـلاد سـومـر في نـهـايـة الألـف الـثّـالـث قـبـل الـمـيـلاد. ويـمـكـن تـقـديـر فـتـرة حـكـمـه تـقـريـبـيـاً بـيـن 2150 إلى 2125 قـبـل الـمـيـلاد. وقـد حـكـم غـوديـا بـعـد وفـاة أور بـاو، مـؤسـس سـلالـة لـغـش الـثّـانـيـة، الّـذي كـان قـد تـزوّج بـابـنـتـه نـيـن ألّا. 

وكـانـت فـتـرة حـكـمـه تـقـع بـيـن تـفـتـت الإمـبـراطـوريـة الأكّـديـة وسـقـوطـهـا (1) وبـيـن اشـتـداد سـيـطـرة مـلـوك سـلالـة أور الـثّـالـثـة وازديـاد قـوّتـهـم (2).
فـبـعـد سـقـوط الـدّولـة الأكّـديـة اسـتـعـادت بـعـض مـدن بـلاد سـومـر شـيـئـاً مـن عـزّهـا الـقـديـم وسـيـطـرت عـلـيـهـا سـلالات حـكّـام مـسـتـقـلّـيـن، وكـان مـن بـيـنـهـا دويـلـة لـغـش.


ولـم يُـألّـه غـوديـا في حـيـاتـه، مـثـلـمـا فـعـلـه الـمـلـك الأكـدي نـرام سـيـن الّـذي عُـبـد كـإلـه ولـلـمـرة الأولى في تـاريـخ الـبـشـريـة، وإنّـمـا اخـتـار لـقـب : أمـيـر (إنـسي)، ولـم يـسـتـعـمـل لـقـب : مـلـك (لـوغـال). ومـع ذلـك فـقـد كُـرّم كـإلـه بـعـد مـوتـه وخـاصـة في فـتـرة سـلالـة أور الـثّـالـثـة. وكـان غـوديـا يـعـتـبـر كـبـيـر كـهـنـة لـغـش مـسـؤولاً عـن تـطـبـيـق طـقـوسـهـا الـدّيـنـيـة وتـكـريـم آلـهـتـهـا.

ورغـم الأعـداد الـكـبـيـرة مـن الـنّـصـوص الّـتي وصـلـتـنـا مـن فـتـرة حـكـم غـوديـا تـبـقى مـعـرفـتـنـا بـه نـاقـصـة، لأنّ غـالـبـيـة هـذه الـنّـصـوص ديـنـيـة لا تـزودنـا بـشئ مـن الـمـعـلـومـات الـتّـاريـخـيـة، فـنـحـن لا نـعـرف مـثـلاً عـدد سـنـوات حـكـمـه ولا تـسـلـسـلـهـا الـتّـاريـخي بـيـن حـكّـام نـهـايـة الألـف الـثّـالـث قـبـل الـمـيـلاد.

واعـتـقـد الـمـؤرخـون لـمـدّة عـقـود وعـقـود أنّـه كـان قـد حـكـم بـفـتـرة طـويـلـة قـبـل أور نـامّـو، مـؤسـس سـلالـة أور الـثّـالـثـة، قـبـل أن يـكـتـشـفـوا مـنـذ فـتـرة وجـيـزة أنّـه لـم يـسـبـقـه إلّا بـقـلـيـل وأنّ أواخـر سـنـوات حـكـمـه عـاصـرت بـدايـة حـكـم أور نـامّـو.
ولا تـذكـر الـنّـصـوص الإداريـة الّـتي وصـلـتـنـا إلّا إحـدى عـشـرة سـنـة مـن فـتـرة حـكـمـه رغـم أنّ الـمـؤرخـيـن يـعـتـقـدون أنّـهـا دامـت سـبـع عـشـرة أو ثـمـاني عـشـرة سـنـة. ولا نـجـد في الـنّـصـوص عـن حـمـلاتـه الـحـربـيـة إلّا إشـارة وجـيـزة إلى مـعـركـة انـتـصـر فـيـهـا عـلى أعـدائـه الـعـيـلامـيـيـن، كـمـا لا نـجـد فـيـهـا ذكـراً لـلـمـدن الـسّـومـريـة الـمـحـيـطـة بـلـغـش ولا لـعـلاقـاتـهـا بـهـا.

ولا نـجـد ذكـراً لـعـلاقـات لـغـش بـالـعـالـم الـخـارجي إلّا مـن خـلال احـتـيـاجـات غـوديـا لـمـواد بـنـاء مـعـابـده ولـصـخـور مـنـحـوتـاتـه والّـتي تـأتي غـالـبـاً مـن أمـاكـن بـعـيـدة ويـدفـع أثـمـانـهـا غـالـيـاً رغـم أنـنـا لا نـعـرف مـصـادر ثـروة دويـلـة لـغـش. ونـعـرف مـن الـنّـصـوص أنّ طـرق الـتّـجـارة كـانـت تـمـتـد بـيـن جـبـل لـبـنـان غـربـاً ونـهـر الـسّـنـد شـرقـاً، وهي الـمـنـطـقـة الّـتي كـانـت تـحـت سـيـطـرة الإمـبـراطـوريـة الأكّـديـة قـبـل سـقـوطـهـا والّـتي دامـت، كـمـا يـبـدو، بـعـد ذلـك.

ويـمـكـنـنـا أن نـلاحـظ رغـبـة غـوديـا في أن يـعـيـد لـدّويـلـة لـغـش مـجـدهـا الـقـديـم، كـمـا كـانـت عـلـيـه في زمـن مـلـكـهـا أورو كـاجـيـنـا، قـبـل سـقـوطـهـا تـحـت هـيـمـنـة الإمـبـراطـوريـة الأكّـديـة، وأنّ يـتـخـطى الإضـطـرابـات الّـتي نـتـجـت عـن سـقـوط هـذه الإمـبـراطـوريـة بـعـد ذلـك.



كـيـف عُـثـر عـلى تـمـاثـيـل غـوديـا :

بـدأ إرنـسـت دو سَـرزيـك  Ernest de SARZEC، قـنـصـل فـرنـسـا في الـبـصـرة، عـام 1878 بـالـتّـنـقـيـب في تـلّـوTello  (وربّـمـا كـان هـذا الإسـم تـحـريـفـاً لـ" تـلّ لـوح")، شـرق مـديـنـة الـشّـطـرة، الّـذي اعـتـقـد أنّـه وجـد فـيـه مـديـنـة لـغـش (أو لـكـش) الـسّـومـريـة. 
وقـد ظـلّ هـذا الـخـطـأ شـائـعـاً لـفـتـرة طـويـلـة، ولـكـنـنـا نـعـرف الآن أنّ دو سَـرزيـك اكـتـشـف مـديـنـة غـرسـو، وأنّ مـديـنـة لـغـش تـقـع في تـلّ الـهـبـة (أو تـلّ الـهـبـا)، حـوالي عـشـريـن كـلـم. جـنـوب شـرقـهـا.

وقـد اسـتـمـر دو سَـرزيـك بـالـتّـنـقـيـبـات في غـرسـو حـتّى عـام 1900. وقـد قـام خـلالـهـا بـأحـد عـشـر مـوسـمـاً وجـد فـيـهـا مـجـمـوعـات مـن الـنّـصـوص الـمـسـمـاريـة وقـطـعـاً أثـريـة أهـمـهـا مـجـمـوعـة تـتـجـاوز الـعـشـريـن تـمـثـالاً تـصـوّر غـوديـا، أمـيـر لـغـش، أزاح عـنـهـا الـتّـراب خـاصـة في مـوسـم تـنـقـيـبـات 1880، وأرسـل غـالـبـيـتـهـا الـمـطـلـقـة إلى بـاريـس. (3)

وقـد دخـلـت بـعـد ذلـك في مـتـحـف الـلـوفـر، ووضـعـت في الـقـاعـة الآشـوريـة. ولـديـنـا صـورة الـتـقـطـت لـهـا عـام 1890 تـظـهـر لـنـا مـجـمـوعـة مـن تـمـاثـيـل غـوديـا وأغـلـبـهـا فـقـدت رؤوسـهـا :



ولـديـنـا صـورة أخـرى الـتـقـطـت عـام 1947 نـرى فـيـهـا الـقـاعـة الّـتي خـصـصـت لـغـوديـا في قـسـم الآثـار الـشّـرقـيـة في مـتـحـف الـلـوفـر :




تـمـاثـيـل غـوديـا :
 
ذكـرنـا في كـلامـنـا عـن غـوديـا أنّ أهـمّ مـا وجـد في لـغـش مـن فـتـرة حـكـمـه مـجـمـوعـة كـبـيـرة مـن الـنّـصـوص الـمـسـجّـلـة بـالـكـتـابـة الـمـسـمـاريـة وبـالـلـغـة الـسّـومـريـة عـلى الألـواح أو عـلى اسـطـوانـات الـصّـلـصـال، وخـاصـة عـلى اسـطـوانـتـيـن كـبـيـرتـيـن، أو الـمـنـقـوشـة عـلى تـمـاثـيـلـه الّـتي تـتـجـاوز الـعـشـريـن والّـتي نـحـتـت في صـخـر الـدّيـوريـت الـبـركـاني الأسـود. 

كـمـا وصـلـتـنـا مـن فـتـرة حـكـم غـوديـا في لـغـش أعـداد مـن الـتّـمـاثـيـل الـصّـغـيـرة والـمـسـلّات ومـسـامـيـر الأسـس وألـواح الأسـس ونـصـوص ديـنـيـة وأدعـيـة. 

ويـحـتـفـظ مـتـحـف الـلـوفـر في بـاريـس، كـمـا سـبـق أن ذكـرنـا، بـالـجـزء الأكـبـر مـنـهـا. وقـد وجـدت أغـلـب هـذه الآثـار في مـعـابـد آلـهـة لـغـش الـمـهـمّـيـن (نـيـن غـرسـو ونـانـشي، ونـيـن غـيـش زيـدا وغـيـش تـيـنـانـا) الّـتي شـيّـدهـا أو جـددهـا غـوديـا، مـمـا يـدلّ عـلى إيـمـانـه الـعـمـيـق بـديـنـه.

 ونـعـرف مـن نـصّ وجـد في لـغـش أنّ غـوديـا احـتـرم الـطـقـوس الـدّيـنـيـة بـاسـتـعـمـال صـخـر الـدّيـوريـت الـبـركـاني الأسـود لـنـحـت تـمـاثـيـلـه رغـم الـمـبـالـغ الـبـاهـظـة الّـتي يـكـلّـف جـلـبـه مـن مـنـطـقـة الـخـلـيـج، ربّـمـا مـن جـبـال عُـمـان.

وبـعـد أن نـحـتـت الـتّـمـاثـيـل صـقـل صـخـرهـا بـعـنـايـة بـالـغـة حـتّى أصـبـحـت سـطـوحـهـا مـلـسـاء شـديـدة الـلـمـعـان.

وقـد صـوّر غـوديـا في هـذه الـتّـمـاثـيـل جـالـسـاً أو واقـفـاً. ووضـع كـلّ تـمـثـال مـنـهـا في حـرم كـلّ مـعـبـد قـديـم جـدده في مـديـنـة غـرسـو أو شـيّـده فـيـهـا. ولا نـعـرف لـمـاذا صـوّر غـوديـا في بـعـض الـتّـمـاثـيـل جـالـسـاً وفي بـعـضـهـا الآخـر واقـفـاً.

ويـعـدد نـصّ نـقـش عـلى أحـد هـذه الـتّـمـاثـيـل الأضـاحي الّـتي قـدّمـت لـلـتّـمـثـال قـبـل أن يـدخـل في حـرم الـمـعـبـد، فـهـو مـمـثـل لـغـوديـا بـديـل عـنـه، يـمـكـنـه، كـمـا لـو كـان حـيّـاً، إدامـة الـصّـلاة أمـام إلـهـه بـلا تـوقـف وعـبـادتـه إلى الأبـد.

 وقـد وجـدت أغـلـب رؤوس تـمـاثـيـل غـوديـا مـقـصـومـة، مـفـصـومـة عـن أجـسـادهـا، مـلـقـاة في أمـاكـن بـعـيـدة عـنـهـا. ويـعـتـقـد الـمـؤرخـون أنّ أعـداء دويـلـة لـغـش قـامـوا بـذلـك بـعـد إسـقـاطـهـا إنـتـقـامـاً مـن غـوديـا، أهـمّ حـكّـامـهـا، لـيـحـرمـوه مـن بـركـات الآلـهـة ولـيـسـقـطـوه في الـنّـسـيـان. 

 

تـمـاثـيـل غـوديـا جـالـسـاً :


وأوّل هـذا الـنّـوع مـن الـتّـمـاثـيـل وأشـهـرهـا مـا يـسـمى بـتـمـثـال "غـوديـا الـجـالـس الـصّـغـيـر" الـمـحـفـوظ في مـتـحـف الـلـوفـر في بـاريـس. وهـو أصـغـر مـن الـحـجـم الـطّـبـيـعي (إرتـفـاعـه : 46 سـم. وعـرضـه : 33 سـم. وسـمـكـه : 5، 22 سـم.) :




وقـد وجـد إرنـسـت دو سَـرزيـك خـلال تـنـقـيـبـاتـه رأس الـتّـمـثـال، ووجـد الـمـشـرف عـلى الـتّـنـقـيـبـات الّـذي خـلـفـه، الـكـابـتـن كـرو Capitaine Cros، جـسـده عـام 1903. وبـعـد أن جُـمـع الـرأس والـجـسـد وقـرأ الـنّـص الـسّـومـري الـمـنـقـوش عـلـيـه ظـهـر واضـحـاً أنّـه يـصـوّر غـوديـا، أمـيـر لـغـش الّـذي حـكـم في حـوالي الـقـرن الـثّـاني والـعـشـريـن قـبـل الـمـيـلاد.

ونـقـرأ في الـنّـصّ الـمـنـقـوش عـلى ثـوب الأمـيـر غـوديـا أنّـه أهـدى تـمـثـالـه إلى نـيـن غِـيـش زيـدا، إلـهـه الـخـاص الـحـامي لـه، ثـمّ يـعـدد الـمـعـابـد الّـتي شـيّـدهـا ومـن ضـمـنـهـا مـعـبـد نـيـن غِـيـش زيـدا الّـذي وضـع الـتّـمـثـال في حـرمـه. ويـذكـر الـنّـصّ : "غـوديـا الّـذي شـيّـد الـمـعـبـد. أطـال الإلـه في عـمـره !" :



ويـصـوّر الـتّـمـثـال أمـيـر لـغـش تـصـويـراً مـهـيـبـاً : وجـهـاً حـلـيـقـاً عـلـيـه سـمـات هـدوء وعـلى شـفـتـيـه ابـتـسـامـة خـفـيـفـة، وعـيـنـيـن لـوزيـتَي الـشّـكـل يـعـلـوهـمـا حـاجـبـان ثـخـيـنـان، ونـلاحـظ أنّ جـزءاً مـن أنـفـه قـد تـهـشـم. 



ونـرى عـلى رأس غـوديـا غـطـاء تـزيـنـه دوائـر دقـيـقـة الـتّـنـفـيـذ تـشـبـه "الـجـراويـة" الـعـراقـيـة. وهـو يـرتـدي مـعـطـفـاً بـعـدّة طـيّـات تـزيّـن أسـفـلـه أهـداب أو سـجـف مـتـدلـيـة مـنـه. وكـان هـذا الـنّـوع مـن الـمـعـاطـف مـعـروفـاً في الـفـتـرة الأكّـديـة الّـتي سـبـقـت فـتـرة لـغـش. ولا يـغـطى الـمـعـطـف إلّا كـتـفـه وذراعـه الـيـسـرى بـيـنـمـا نـرى ذراعـه الـيـمـنى عـاريـة مـفـتـولـة الـعـضـلات. ويـنـزل ثـوبـه ومـعـطـفـه إلى مـا فـوق قـدمـيـه الـحـافـيـتـيـن، فـهـو في حـرم مـعـبـد خـلـع فـيـه نـعـلـيـه. ويـعـقـد غـوديـا يـديـه مـعـاً دلـيـلاً عـلى انـهـمـاكـه في صـلاة في حـضـور إلـهـه.



ولـقـيـمـة الـقـطـعـة الـصّـخـريـة الـثّـمـيـنـة الّـتّي نـحـت فـيـهـا الـتّـمـثـال فـقـد حـاول الـنّـحـات اسـتـعـمـالـهـا بـأشـدّ مـا اسـتـطـاع فـكـبّـر الـرأس وهـو أهـمّ مـا في الـتّـمـثـال واخـتـزل الـعـنـق حـتّى كـادت تـخـتـفي وصـور الـجـسّـد فـيـمـا تـبـقى لـه مـن مـسـاحـة الـصّـخـرة. 
ولا يـمـكـن أن يـأتي هـذا الـتّـفـاوت بـيـن نـسـب أجـزاء الـجـسـد مـن جـهـل الـنّـحّـات لـفـنّـه فـهـو يـتـقـنـه إتـقـانـاً مـثـيـراً لـلإعـجـاب وإنّـمـا مـن تـقـالـيـد تـعـبـيـريـة مـتـواضـع عـلـيـهـا تـركّـز عـلى الـوجـه والـيـديـن لـتـظـهـر خـشـوع الأمـيـر في حـضـرة إلـهـه.

ولـديـنـا تـمـثـال آخـر يـصّـوره جـالـسـاً هـو تـمـثـال غـوديـا "الـمـعـمـار". وهـذا الـتّـمـثـال الّـذي لـم يـجـد الـمـنـقّـبـون رأسـه، بـالـحـجـم الـطّـبـيـعي. وارتـفـاعـه 93 سـم. :




ونـراه فـيـه جـالـسـاً عـلى مـقـعـد. ويـرتـدي، كـمـا في الـتّـمـثـال الـسّـابـق، ثـوبـاً طـويـلاً يـصـل إلى مـا فـوق قـدمـيـه الـحـافـيـتـيـن، فـهـو في حـرم مـعـبـد خـلـع فـيـه نـعـلـيـه. 




ويـتـمـيـز هـذا الـتّـمـثـال بـمـهـارة الـنّـحّـات الـعـالـيـة وبـنـوعـيـة الـصّـخـر الـمـنـحـوت الإسـتـثـنـائـيـة. كـمـا أنّـه الـوحـيـد الّـذي يـمـثّـل غـوديـا وعـلى ركـبـتـيـه مـخـطـط مـعـمـاري لـمـعـبـد قـرر أن يـشـيّـده : مـعـبـد الإيـنـيـنـو الـمـكـرّس لـلإلـه نـيـن غـرسـو الّـذي اسـتـقـطـب اهـتـمـام غـوديـا طـيـلـة فـتـرة حـكـمـه. وتـذكـر نـصـوص لـغـش أنّ الإلـه إنـكي "أعـطى بـنـفـسـه مـخـطـط الـمـعـبـد لـغـوديـا".
والـمـخـطـط مـحـفـور عـلى لـوح مـسـطّـح يـمـثـل لـوحـاً مـن الـصّـلـصـال، نـلاحـظ بـجـانـبـه قـلـمـاً اسـتـعـمـل في الـرسّـم عـلـيـه ومـسـطـرة تـهـشّـم جـزء مـنـهـا ولـكـن مـا بـقي يـريـنـا درجـات مـن 1 إلى 6 بـيـنـهـا فـراغـات. 




ومـن الـمـرجّـح أنّ الـمـخـطـط يـريـنـا حـيـطـان الـمـعـبـد الـخـارجـيـة والأبـواب الـمـفـتـوحـة فـيـهـا.

ونـقـش عـلى ثـوب غـوديـا، مـن ركـبـتـيـه إلى أسـفـلـه وعـلى جـانـبـيـه، وكـذلـك عـلى جـانـبـي الـمـقـعـد، نـصّ بـالـلـغـة الـسّـومـريـة وبـالـكـتـابـة الـمـسـمـاريـة، وهـو أطـول نـصـوص تـمـاثـيـلـه وأغـنـاهـا مـحـتـوى. ويـحـتـوي الـنّـقـش عـلى 368 مـسـتـطـيـلاً كـتـبـت في داخـلـهـا الـرّمـوز الـمـسـمـاريـة، صـفـفـت في تـسـعـة أعـمـدة.

ويـبـدأ الـنّـصّ بـتـعـداد الأضـاحي الّـتي قـدّمـت لـلـتّـمـثـال قـبـل أن يـدخـل في حـرم الـمـعـبـد، فـهـو مـمـثـل بـديـل لـغـوديـا يـمـكـنـه، كـمـا لـو كـان حـيّـاً، إدامـة الـصّـلاة أمـام إلـهـه بـلا تـوقـف وعـبـادتـه إلى الأبـد. ثـمّ يـعـدد غـوديـا ألـقـابـه كـحـاكـم وقـائـد لـلـجـيـش وحـامٍ لـلـبـلـد ... إلـخ، الّـتي يـظـهـر مـنـهـا أن كـلّ آلـهـة لـغـش أوكـلـت لـه الـسّـلـطـة واثـقـة بـقـدراتـه. ويـذكـر الـنّـصّ الـبـلـدان الّـتي جـلـبـت مـنـهـا مـواد بـنـاء مـعـبـد الإيـنـيـنـو : شـجـر أرز جـبـل لـبـنـان وحـجـر شـمـال سـوريـا والـغـنـائـم الّـتي اكـتـسـبـهـا في بـلاد عـيـلام، مـمـا يـدلّ عـلى سـعـة سـلـطـتـه وامـتـدادهـا. 

أمّـا الـتّـمـثـال نـفـسـه فـقـد نـحـت حـسـب الـطـقـوس الـديـنـيـة في صـخـر الـديـوريـت الـبـركـاني الأسـود. ووضـع الـتّـمـثـال في حـرم مـعـبـد الإلـه نـيـن غـرسـو وأمـام نـظـراتـه لـيـقـوم بـعـبـادتـه بـلا تـوقـف بـدلاً مـن غـوديـاً ومـمـثـلاً لـه. ويـنـتـهي الـنّـصّ بـتـوجـيـه لـعـنـات الآلـهـة عـلى مـن يـجـرؤ عـلى تـدنـيـس الـمـعـبـد والـتّـمـثـال.
وقـد احـتـرم مـلـوك سـلالـة أور الـثّـالـثـة الّـذي حـكـمـوا بـعـد غـوديـا الـتّـمـثـال والـمـعـبـد، وقـدمـوا لـهـمـا الـهـدايـا والأضـاحي، ولـكـنّ ذلـك لـم يـمـنـع أعـداءه بـعـد ذلـك مـن قـطـع رأسـه !

كـمـا أنّ هـنـاك تـمـثـال ثـالـث يـمـثّـل غـوديـا جـالـسـاً (إرتـفـاعـه 44 سـم.)، دخـل في مـجـمـوعـة مـقـتـنـيـات هـاريـس بـرسـبـان دك  Harris Brisbane Dick في الـولايـات الـمـتّـحـدة الأمـريـكـيـة عـام 1959:







 وهـو يـبـدو نـسـخـة أخـرى مـن تـمـثـال مـتـحـف الـلـوفـر الـجـالـس، ولا يـخـتـلـف عـنـه إلّا بـأنّ أنـفـه لـم يـتـهـشـم ولـم تـصـب مـلامـح وجـهـه الأخـرى أضـرار، كـمـا أنّ رأسـه قـصـم وفـصـم عـن جـسـده بـطـريـقـة مـخـتـلـفـة، ولـم تـنـكـسـر كـتـفـه الـيـسـرى مـثـلـمـا انـكـسـرت كـتـف تـمـثـال الـلـوفـر.

وهـو يـبـدو في هـذا الـتّـمـثـال أكـبـر سـنّـاً، ونـلاحـظ عـلى وجـهـه غـضـونـاً وبـرزت عـظـام حـنـكـه، وفـقـد فـمـه ابـتـسـامـتـه فـهـو غـارق في خـشـوع تـمـلـك عـلـيـه كـلّ نـفـسـه.
ويـذكـر الـنّـصّ الـمـنـقـوش عـلـيـه : "غـوديـا الّـذي شـيّـد الـمـعـبـد. أطـال الإلـه في عـمـره !". 

وكـان الـمـتـحـف الـعـراقي في بـغـداد يـحـتـفـظ بـجـسـد تـمـثـال لـغـوديـا جـالـسـاً، إرتـفـاعـه 35،4 سـم. وقـد وجـد رأسـه في فـيـلادلـفـيـا، الـولايـات الـمـتّـحـدة الأمـريـكـيـة، وصـبّـت لـه نـسـخـة جـبـسـيـة ألـصـقـت عـلى الـجـسـد :





ويـبـدو فـيـه غـوديـا أكـثـر نـحـافـة وأقـل اسـتـدارة مـنـه في الـتّـمـاثـيـل الأخـرى، وتـبـدو جـلـسـتـه أكـثـر تـصـلّـبـاً. وقـد وجـد جـسـد الـتّـمـثـال عـنـد مـهـرّب آثـار، وأدخـل إلى الـمـتـحـف الـعـراقي.

وكـان الـتّـمـثـال مـكـرّسـاً لـعـبـادة الإلـه نـيـن غـيـش زيـدا كـمـا يـذكـره الـنّـصّ الـمـنـقـوش عـلـيـه : "غـوديـا الّـذي شـيّـد مـعـبـد الإيـنـيـنـو، مـعـبـد الإلـه نـيـن غـرسـو، نـحـت هـذا الـتّـمـثـال لإلـهـه نـيـن غـيـش زيـدا، وأسـمـاه "الّـذي شـيّـد الـمـعـبـد"، ونـصـبـه في حـرمـه".

تـمـاثـيـل غـوديـا واقـفـاً :


 لا شـكّ في أنّ أهـمّ هـذه الـمـجـمـوعـة تـمـثـال غـوديـا "بـالـجـرّة الّـتي تـنـبـثـق مـنـهـا الـمـيـاه"، (إرتـفـاعـه 62 سـم.) والـمـحـفـوظ في مـتـحـف الـلـوفـر في بـاريـس :




ونـرى في هـذا الـتّـمـثـال غـوديـا، أمـيـر لـغـش، واقـفـاً، يـمـسـك بـيـديـه جـرّة يـنـبـثـق مـنـهـا نـبـع مـاء يـتـسـاقـط في سـيـلـيـن يـصـلان إلى أسـفـل الـتّـمـثـال، تـشـكـلّ كـلّ واحـد مـنـهـمـا أربـعـة خـطـوط مـتـعـرّجـة مـتـوازيـة تـتـسـلّـقـهـا مـن جـانـبـيـهـا أسـمـاك صـغـيـرة. وقـد نـحـت هـذا الـجـزء مـن الـتّـمـثـال بـتـقـنـيـة الـنّـحـت الـقـلـيـل الـبـروز الّـذي غـالـبـاً مـا يـسـتـعـمـل عـلى الألـواح الـمـسـطّـحـة أو عـلى الـجـدران :



وتـرتـبـط "الـجـرّة الّـتي تـنـبـثـق مـنـهـا الـمـيـاه" اعـتـيـاديـا بـالإلـه إنـكي، سـيّـد الـمـيـاه، الّـذي يُـصـور حـامـلاً الـجـرّة. ولـهـذا يـبـدو غـريـبـاً لأوّل وهـلـة أن نـجـدهـا بـيـن يـدي غـوديـا. فـهـل وهـبـه الإلـه إنـكي الـقـدرة عـلى إحـيـاء أراضي دويـلـة لـغـش بـتـجـديـده لـقـنـوات الـمـيـاه الّـتي كـانـت قـد خـربـت في فـتـرات الإضـطـرابـات ولـتـشـيـيـده لـقـنـوات أخـرى ؟ ولا شـكّ في أنّـه يـقـدّم الـمـيـاه، مـصـدر ثـروة دويـلـتـه إلى إلـهـه دلـيـلاً عـلى طـاعـتـه الـمـطـلـقـة لـه.

وقـد وجـد الـمـنـقـبـون لـوحـاً حـجـريـاً مـنـحـوتـاً قـلـيـل الـبـروز يـصّـور عـدّة جـرار تـنـبـثـق مـنـهـا الـمـيـاه مـمـا يـدلّ عـلى شـيـوع هـذا الـمـوضـوع في فـتـرة غـوديـا :


ويـتـمـيـز هـذا الـتّـمـثـال بـأنّـه الـوحـيـد الّـذي لا يـصـوّر غـوديـا واضـعـاً يـداً بـيـد وإنّـمـا يـمـسـك بـجـرّة.
ونـرى غـوديـا وعـلى وجـهـه الـحـلـيـق نـفـس تـعـبـيـر الـخـشـوع الـهـادئ الّـذي لاحـظـنـاه في تـمـاثـيـلـه جـالـسـاً، وإن كـانـت مـلامـح وجـهـه تـظـهـره أصـغـر سـنّـاً، وعـلى رأسـه نـفـس "الـجـراويـة" الـعـراقـيـة الّـتي رسـمـت فـيـهـا دوائـر دقـيـقـة الـتّـنـفـيـذ :




ويـرتـدي ثـوبـاً طـويـلاً يـصـل إلى مـا فـوق قـدمـيـه الـحـافـيـتـيـن، فـهـو في حـرم مـعـبـد خـلـع فـيـه نـعـلـيـه.
وقـد نـقـش الـنّـصّ الـسّـومـري الـمـسـجّـل بـالـكـتـابـة الـسّـومـريـة مـن تـحـت يـدَي غـوديـا وحـتّى أسـفـل ثـوبـه. ولـكي نـسـتـطـيـع قـراءتـه يـنـبـغي أن نـنـظـر إلـيـه مـن الـيـسـار ونـتـابـع رمـوزه مـن الأعـلى نـحـو الأسـفـل.

ونـحـت هـذا الـتّـمـثـال الـصّـغـيـر نـسـبـيـاً في حـجـر الـكـالـسـيـت، لا في صـخـر الـدّيـوريـت الـبـركـاني الأسـود. ونـلاحـظ أنّ أسـلـوب نـحـت هـذا الـتّـمـثـال يـخـتـلـف عـمّـا رأيـنـاه حـتّى الآن فـهـو أكـثـر اسـتـدارة وامـتـلاء مـنـهـا. ويـكـفي لـذلـك أن نـتـمـعـن الـنّـظـر في تـقـاطـيـع الـوجـه أو في تـخـطـيـط الـيـديـن. 
ولا شـكّ في أنّ هـذه الـتّـمـاثـيـل الّـتي تـصـوّر غـوديـا في مـراحـل مـخـتـلـفـة مـن فـتـرة حـكـمـه الـطـويـلـة نـحـتـهـا عـدّة حـرفـيـون يـتـقـنـون مـهـنـتـهـم كـانـوا يـشـرفـون عـلى عـدّة مـحـتـرفـات تـضـمّ نـحـاتـيـن آخـريـن ومـسـاعـديـن مـبـتـدئـيـن وعـمـال يـقـومـون بـالـمـهـمـات الـشّـاقـة مـثـل قـطـع الـصّـخـر أو صـقـلـه ...إلـخ. مـمـا يـفـسّـر الإخـتـلافـات بـيـن أسـالـيـب بـعـض الـتّـمـاثـيـل.



والـتّـمـثـال الـثّـاني الـمـهـمّ مـن مـجـمـوعـة "غـوديـا واقـفـاً" هـو مـا يـطـلـق عـلـيـه "غـوديـا الّـذي لا كـتـابـة عـلـيـه" (إرتـفـاعـه : 107 سـم.) :


وهـو تـمـثـال لـيـس عـلـيـه نـصّ كـتـابي مـنـقـوش رغـم اكـتـمـالـه الـمـثـيـر لـلإعـجـاب. ونـسـتـنـتـج مـنـه أنّ الـنـصّ الـمـكـتـوب يـنـقـش عـلى الـتّـمـثـال بـعـد اكـتـمـالـه وصـقـلـه. ولا نـعـرف لـمـاذا لـم يـنـقـش الـنّـصّ عـلى هـذ الـتّـمـثـال. ربّـمـا بـسـبـب وفـاة غـوديـا قـبـل أن يـنـظـم دعـاء الـنّـصّ.

ورغـم أنّـه لـيـس عـلى هـذا الـتّـمـثـال نـصّ مـنـقـوش، إسـتـنـتـج الـمـخـتـصّـون بـمـقـارنـات أسـلـوبـيـة وتـقـنـيـة أنّـه يـنـتـمي إلى مـجـمـوعـة تـمـاثـيـل غـوديـا. وكـان مـن مـمـتـلـكـات تـقي الـدّيـن بـاشـا والي الـبـصـرة الّـذي أخـذه كـحـصّـة لـلـدّولـة الـعـثـمـانـيـة مـن بـيـن مـا عـثـر عـلـيـه دو سَـرزيـك في تـنـقـيـبـاتـه، ثـمّ بـاعـه ورثـتـه لـجـامـع آثـار فـرنـسي.
 
وقـد قـصـم رأس الـتّـمـثـال وفـصـم عـن جـسـده مـثـل الـتّـمـاثـيـل الأخـرى، وتـهـشـمـت بـعـض سـطـوحـه وخـاصـة أنـفـه وجـزؤه الـسّـفـلي :




ومـع ذلـك يـمـكـنـنـا أن نـتـأمّـل الـدّرجـة الـعـالـيـة مـن الـمـهـارة الّـتي بـلـغـهـا نـحـاتـو غـوديـا في تـصـويـر بـروز الـعـضـلات :



وفي تـخـطـيـط الـيـديـن الّـذي تـوصـلـوا فـيـه إلى أسـلـبـة هـنـدسـيـة لـم يـسـبـق لـهـا مـثـيـل : 




ونـلاحـظ أيـضـاً اخـتـلاف أسـلـوبـه عـن أسـلـوب غـوديـا "بـالـجـرّة الّـتي تـنـبـثـق مـنـهـا الـمـيـاه"، مـمـا يـدلّ عـلى أنّ مـحـتـرَفـاً آخـر مـخـتـلـفـاً قـام بـنـحـتـه.

كـمـا يـمـتـلـك مـتـحـف الـلـوفـر في بـاريـس تـمـثـال "غـوديـا A" :




وكـذلـك تـمـثـالَي غـوديـا "الـعـريـض الـكـتـفـيـن " و "الـضّـيّـق الـكـتـفـيـن"، الـلـذيـن عـثـر عـلى جـسـديـهـمـا في تـنـقـيـبـات دو سَـرزيـك عـام 1881 :




ولا نـعـرف هـل يـأتي هـذا الإخـتـلاف في مـقـايـيـس أقـسـام الـجـسـد مـن اخـتـلاف أسـلـوبَي مـحـتـرفَي نـحـت مـخـتـلـفـيـن أم مـن حـجـم قـطـعـة الـصّـخـر الّـتي نـحـتـهـا كـلّ مـنـهـمـا. ويـبـدو مـن أسـلـوبـهـمـا أنـهـمـا نـحـتـا في نـفـس الـمـحـتـرف.

ويـحـتـفـظ الـمـتـحـف الـبـريـطـاني في لـنـدن بـتـمـثـال غـوديـا "حـاسـر الـرأس"، وهـو مـكـسـور الأسـفـل، نـحـت في صـخـر الـدّيـوريـت الـبـركـاني الأسـود. ويـبـلـغ ارتـفـاع مـا تـبـقى مـنـه 73،6 سـم. :



وهـو بـالـغ الإكـتـمـال في نـحـتـه وصـقـلـه ولـكـنّـه يـخـتـلـف في أسـلـوبـه عـن أغـلـب تـمـاثـيـل غـوديـا في تـقـاطـيـع وجـهـه وخـاصـة في رسـم الـفـم.

وقـد اشـتـرى مـتـحـف الـلـوفـر في بـاريـس عـام 1987 تـمـثـالاً لـغـوديـا واقـفـاً مـن صـخـر الـدّيـوريـت الـبـركـاني الأسـود، إرتـفـاعـه : 70،5 سـم. وعـرضـه : 22،4 سـم. :

 

ويـصـوّر غـوديـا نـحـيـفـاً ضـيّـق الـكـتـفـيـن طـويـل الـقـامـة.

كـمـا أنّ مـجـمـوعـة مـقـتـنـيـات أدولـف سـتـوكـلـيـت Collection Adolphe Stoclet تـمـتـلـك تـمـثـالاً (مـن الـسّـربـنـتـيـن، الـرّخـام الـمـرقّـط) لـغـوديـا واقـفـاً، كـان سـابـقـاً في بـروكـسـل، بـلـجـيـكـا. وهـو ولا شـكّ يـسـتـحـق الاهـتـمـام والـدّراسـة وإن لـم أجـد عـنـه مـعـلـومـات كـثـيـرة :


 
ووجـدت صـورة لـتـمـثـال لـغـوديـا في كـوبـنـهـاغـن، الـدنـمـارك، لـم أجـد عـنـه مـعـلـومـات بـعـد :



رؤوس غـوديـا : 

وجـد الـمـنـقّـبـون رؤوسـاً مـن تـمـاثـيـل لـغـوديـا لـم يـعـثـروا عـلى أجـسـادهـا، مـثـل الـرّأس الّـذي يـمـتـلـكـه مـتـحـف الـلـوفـر في بـاريـس، (إرتـفـاعـه : 23 سـم.)، والّـذي تـهـشّـم أنـفـه وتـكـسّـرت بـعـض أجـزائـه :




وكـان ولا شـكّ جـزءاً مـن تـمـثـال نـحـت في صـخـر الـدّيـوريـت الـبـركـاني الأسـود. ويـبـدو فـيـه غـوديـا في عـزّ شـبـابـه.

ومـنـهـا الـرّأس الـمـعـروف بـ "رأس بـرلـيـن"، بـنـصـف الـحـجـم الـطّـبـيـعي. وقـد وجـد عـنـد بـائـع آثـار، ودخـل في مـجـمـوعـات مـتـحـف بـرلـيـن Berlin, Vorderasiatisches Museum في ألـمـانـيـا. 

ونـلاحـظ تـمـلـك الـنّـحّـات لـفـنّـه إلى درجـة أعـلى مـمـا في تـمـاثـيـل صـخـر الـدّيـوريـت الـشّـديـد الـصّـلابـة، وقـدرتـه الّـتي تـثـيـر الإعـجاب في إظـهـار الـتّـفـاصـيـل بـدقّـة بـالـغـة وخـاصّـة في الـفـم والأنـف والـعـيـنـيـن. وربّـمـا يـعـود ذلـك أيـضـاً إلى سـهـولـة نـحـت الـحـجـر الـمـسـتـعـمـل مـقـارنـة بـالـصّـخـر الـبـركـاني :


 

غـوديـا أم أور نـيـن غـرسـو ؟

يـحـتـفـظ مـتـحـف الـلـوفـر أيـضـاً بـرأس تـمـثـال فُـقـد جـسـده. وهـو رأس شـاب حـلـيـق الـرأس والـوجـه عـلى درجـة عـالـيـة مـن مـهـارة الـتّـنـفـيـذ.
ونـلاحـظ فـيـه الـتّـقـدم الـتّـقـني الّـذي بـلـغـه نـحّـاتـو لـغـش مـقـارنـة بـنـحـاتي الـفـتـرات الـسّـابـقـة والـقـوّة الـتّـعـبـيـريـة الّـتي أضـفـوهـا عـلى مـنـحـوتـاتـهـم :




وكـان عـالـم الآثـار الـفـرنـسي أنـدريـه بـارو André Parrot أوّل مـن تـسـاءل، في عـام 1957، إنّ كـان يـمـثـل غـوديـا أم ابـنـه أور نـيـن غـرسـو؟ هـذا إن كـان أور نـيـن غـرسـو ابـن غـوديـا، لأنّ بـعـض الـمـؤرخـيـن اسـتـنـتـجـوا مـن الـنّـصـوص أنّـه كـان زوج ابـنـتـه، وأنّـه يـنـبـغي فـهـم كـلـمـة "ابـن" الّـتي نـجـدهـا في بـعـض الـنّـصـوص كـاسـتـعـمـال "مـودّة عـائـلـيـة". 
وقـد نـحـت الـرّأس في صـخـر الـدّيـوريـت الـبـركـاني الأسـود الـعـالي الـقـيـمـة والـمـخـصـص لـلـمـنـحـوتـات الإسـتـثـنـائـيـة. وقـد نـحـت في نـفـس قـطـعـة الـصّـخـر الّـتي نـحـت فـيـهـا تـمـثـال غـوديـا "الـصّـغـيـر".


وقـد اسـتـنـتـج أنـدريـه بـارو مـن ذلـك أنّ هـذا الـرّأس لا يـمـكـن أن يـمـثّـل إلّا أور نـيـن غـرسـو، إبـن غـوديـا الـبـكـر (أو زوج ابـنـتـه)، والّـذي خـلـفـه في حـكـم لـغـش (مـن 2125 إلى 2100 قـبـل الـمـيـلاد تـقـريـبـاً). ولـيـثـبـت ذلـك قـارنـه بـرأس آخـر (فـقـد جـسـده) لـغـوديـا وعـلى رأسـه "الـجـراويـة" الّـتي ارتـادهـا بـعـد اسـتـلامـه لـمـقـالـيـد الـسّـلـطـة.

ويـمـتـلـك مـتـحـف الـلـوفـر في بـاريـس، تـمـثـالاً مـن حـجـر الـبَـلَـق الـجـبـسي يـمـثـل جـسـد أور نـيـن غـرسـو واقـفـاً وقـد عـقـد يـديـه خـشـوعـاً أمـام إلـهـه عـلى طـريـقـة غـوديـا. وقـد دخـل رأس الـتّـمـثـال في مـتـحـف الـمـتـروبـولـيـتـان Metropolitan الـنّـيـويـوركي. ولـديـنـا صـورة لـجـسـد الـتّـمـثـال الـلـوفـري ورأسـه  الـمـتـروبـولـيـتـاني عـنـدمـا جـمـعـا مـعـاً في مـعـرض مـؤقـت :




ونـرى عـلى قـاعـدتـه مـنـحـوتـات، لـم تـكـن تـوضـع عـلى تـمـاثـيـل غـوديـا، تـمـثّـل عـدداً مـن الـرّجـال الـرّاكـعـيـن يـحـمـلـون سـلاسـاً مـلـيـئـة بـالـغـلال. ولأنّـهـم صـوّروا مـخـتـلـفـيـن الـواحـد مـنـهـم عـن الآخـر فـيـمـكـن أن يـكـونـوا رؤسـاء عـشـائـر يـجـلـبـون ضـرائـبـهـم طـاعـة لـلأمـيـر.

كـمـا يـمـتـلـك مـتـحـف بـرلـيـن  Berlin, Vorderasiatisches Museum تـمـثـالاً مـن صـخـر الـدّيـوريـت الـبـركـاني الأسـود، إرتـفـاعـه : 20 سـم. ذكـر الـنّـصّ الـمـنـقـوش عـلى ظـهـره أنّـه يـصـور أور نـيـن غـرسـو مـلـتـحـيـاً، وهـو شئ بـالـغ الـنّـدرة في الـفـتـرة الـسّـومـريـة :



ويـبـدو فـيـه أمـيـر لـغـش مـتـقـدمـاً في الـسّـنّ. ونـلاحـظ قـلّـة اعـتـنـاء الـنّـحـات بـتـنـفـيـذ تـمـثـالـه أو ربّـمـا قـلّـة تـمـلـكـه لـفـنّـه.


تـمـثـال "الـمـرأة ذات الـوشـاح"، زوجـة غـوديـا ؟ :

عـثـر في تـنـقـيـبـات غـرسـو عـلى تـمـثـال كـسـر أسـفـلـه، إرتـفـاع مـا بـقي مـنـه : 18 سـم. يـمـثـل امـرأة وضـعـت يـداً عـلى يـد في صـلاة خـاشـعـة أمـام إلـهـهـا. 

وكـان عـالـم الآثـار الـفـرنـسي أنـدريـه بـارو André Parrot قـد اقـتـرح، في عـام1957، أنّـه يـمـثـل زوجـة غـوديـا لـشـبـه وجـده بـيـن مـلامـحـهـا ومـلامـح أور نـيـن غـرسـو الّـذي كـان يـعـتـقـد أنّـه ابـنـهـا مـن زوجـهـا غـوديـا. ويـعـتـقـد بـعـض الـمـخـتـصـيـن الآن أنّ أور نـيـن غـرسـو، كـمـا سـبـق أن ذكـرنـا، زوج ابـنـة غـوديـا ولـيـس ابـنـه، ولـهـذا يـمـكـن أن تـكـون امـرأة الـتّـمـثـال مـن أمـيـرات عـائـلـة غـوديـا لا زوجـتـه :




 مـنـحـوتـات قـلـيـلـة الـبـروز :

عـثـر الـمـنـقـبـون عـلى مـنـحـوتـات قـلـيـلـة الـبـروز مـن فـتـرة حـكـم غـوديـا، أعـرض عـلـيـكـم واحـدة مـنـهـا تـمـثـل غـوديـا (في أقـصى الـيـسـار) حـاسـر الـرّأس حـلـيـق الـشّـعـر يـمـسـك بـيـده الـيـمـنى سـعـفـة نـخـيـل، ويـمـسـك بـذراعـه الأيـسـر الإلـه نـيـن غـيـش زيـدا تـابـعـاً إلـهـاً آخـر لـيـقـدّمـه لـلإلـه إيـا (إنـكي) الّـذي نـرى كـرسـيـه في الـجـزء الـمـكـسـور في يـمـيـن الـمـنـحـوتـه :




ويـمـكـنـنـا أن نـبـصـر بـرأس حـيـوانـه الّـذي يـرمـز إلـيـه، كـمـا يـمـكـنـنـا أن نـبـصـر بـالـخـطـوط الأربـعـة الـمـتـعـرجـة الـمـتـوازيـة لـلـمـيـاه الّـتي تـنـبـثـق مـن جـرتـه الّـتي تـتـسـلـقـهـا الأسـمـاك.  

وأخـتـم هـذا الـعـرض الـسّـريـع بـذكـر اسـتـغـرابي مـن قـلّـة الـدّراسـات، وحـتّى بـالـلـغـات الأجـنـبـيـة، الـتّي خـصـصـت لـمـجـمـوعـة الـمـنـحـوتـات هـذه الّـتي تـسـتـحـق الإهـتـمـام. وسـأحـاول في مـقـالات قـادمـة الـتّـعـمـق في دراسـتـهـا ومـقـارنـة تـفـاصـيـلـهـا فـيـمـا بـيـنـهـا، ومـقـارنـتـهـا بـمـنـحـوتـات بـلاد مـا بـيـن الـنّـهـريـن الّـتي سـبـقـتـهـا.  

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)  أسـس سـرجـون الإمـبـراطـوريـة الأكّـديـة الّـتي سـيـطـرت عـلى بـلاد مـا بـيـن الـنّـهـريـن ومـا جـاورهـا في الـقـرن الـرّابـع والـعـشـريـن قـبـل الـمـيـلاد، وسـقـطـت في الـقـرن الـثّـاني عـشـر قـبـل الـمـيـلاد.
(2)  أسـس أور نـامّـو سـلالـة أور الـثّـالـثـة في الـقـرن الـثّـاني عـشـر قـبـل الـمـيـلاد، والّـتي دامـت حـوالي قـرن كـامـل.
(3)  كـان مـلـك فـرنـسـا، لـويـس فـيـلـيـب، قـد افـتـتـح في 1 أيّـار 1847 "الـمـتـحـف الآشـوري Le musée assyrien"، الّـذي خـصـصـت لـه قـاعـتـان في داخـل مـتـحـف الـلـوفـر.في بـاريـس 
(*)  تـأتي أهــيـة تـنـقـيـبـات إرنـسـت دو سَـرزيـك مـن أنّـهـا أثـبـتـت وجـود الـسّـومـريـيـن تـاريـخـيـاً. وكـانـت الـفـكـرة الـسّـائـدة مـنـذ أن اكـتـشـف بـول إمـيـل بـوتـا Paul-Emile Botta قـصـر الـمـلـك الآشـوري سـرجـون الـثّـاني عـام 1842، ثـمّ اكـتـشـاف آثـار بـابـل، أنّ الـبـابـلـيـيـن والآشـوريـيـن كـانـوا أقـدم شـعـوب مـا بـيـن الـنّـهـريـن وأنّـهـم هـم الّـذيـن اخـتـرعـوا الـكـتـابـة. ولـكـنّ عـالـم الآشـوريـات جـول أوبـيـر Jules Oppert اسـتـنـتـج مـمـا درسـه مـن آثـار ونـصـوص أنّـه كـان هـنـاك شـعـب "غـيـر سـامي" سـبـقـهـم، وأنّـه هـو الّـذي اخـتـرع الـكـتـابـة الّـتي أخـذهـا عـنـه الـسّـامـيـون : الأكّـديـون والـبـابـلـيـون والآشـوريـون. وكـان قـد وجـد في الـنّـصـوص الـقـديـمـة أنّ مـلـوك بـابـل كـانـوا يـطـلـقـون عـلى أنـفـسـهـم، مـن بـيـن ألـقـابـهـم الأخـرى : مـلـوك بـلاد سـومـر". وهـكـذا تـوصّـل إلى تـسـمـيـتـهـم بـالـسّـومـريـيـن. وقـد جـاءت تـنـقـيـبـات دو سَـرزيـك وعـثـوره عـلى آثـار دويـلـة لـغـش بـالإثـبـات الـقـاطـع لـصـحـة نـظـريـة جـول أوبـيـر.
 

©حـقـوق الـنّـشـر مـحـفـوظـة لـلـدّكـتـور صـبـاح كـامـل الـنّـاصـري 
يـرجى طـلـب الإذن مـن الـكـاتـب قـبـل إعـادة نـشـر هـذا الـمـقـال.