lundi 11 juillet 2016



                                 هـل رسـم حـافـظ الـدّروبي لـوحـة "وجـوه صـبـوحـة" ؟




الـدّكـتـور صـبـاح الـنّـاصـري
 

وجـدت عـلى الـشّـبـكـة الـعـنـكـبـوتـيـة صـورة لـلـوحـة، يـبـدو أنّـهـا رسـمـت بـالـزّيـت عـلى قـمـاش، ذكـر نـاشـرهـا أنّـهـا لـحـافـظ الـدّروبي، وأنّـه رسـمـهـا عـام 1928. 
ويـبـدو أنّ هـذه الـلـوحـة مـحـفـوظـة الآن في "الـمـتـحـف الـعـربي لـلـفـنّ الـحـديـث" في الـدّوحـة، قـطـر. وهي مـن ضـمـن مـقـتـنـيـاتـهـا.(1)

وقـد دهـشـت كـثـيـراً لأنـني تـصـورتـهـا في الـبـدايـة صـورة لـوّنـت يـدويـاً، خـاصـة وأنـني أعـرف الأصـل : أي صـورة فـوتـوغـرافـيـة نـشـرتـهـا شـركـة حـسـو إخـوان عـام 1925 في ألـبـوم صـور عـنـوانـه : Camera Studies in Iraq. وكـان الـمـصـور الـبـصـراوي كـريـم قـد الـتـقـطـهـا في بـدايـة الـعـشـريـنـيـات، وكُـتـب تـحـتـهـا في الألـبـوم بـالـلـغـة الإنـكـلـيـزيـة: Smiling Faces  أي "وجـوه مـبـتـسـمـة" أو "وجـوه صـبـوحـة".
(2)
 
                                      

وعـنـدمـا كـبّـرت صـورة الـلـوحـة وتـمـعـنـت الـنـظـر فـيـهـا وجـدت أنّـهـا تـقـلـيـد دقـيـق لـصـورة كـريـم الـبـصـراوي.
وقـد كُـتـب في أسـفـل يـمـيـن الـلـوحـة تـوقـيـع :
 


يـشـبـه تـوقـيـع حـافـظ الـدّروبي :
 


كـمـا كـتـب تـاريـخ 1928.

ويـكـاد كـلّ الّـذيـن كـتـبـوا عـن حـافـظ الـدّروبي أن يـتـفـقـوا عـلى أنّـه ولـد عـام 1914. وإذا قـبـلـنـا أنّـه هـو الّـذي رسـم هـذه الـلـوحـة فـهـذا يـعـني أنّـه رسـمـهـا في الـرّابـعـة عـشـره مـن عـمـره، وأنّـه كـان يـتـقـن فـنّ الـرّسـم بـالـزّيـت عـلى الـقـمـاش في تـلـك الـسّـن الـمـبـكـرة قـبـل أن يـدخـل مـعـهـد الـفـنـون الـجـمـيـلـة.
ونـحـن نـعـرف مـن مـصـادر عـديـدة أنّـه بـدأ يـرسـم بـالألـوان الـزّيـتـيـة بـعـد دخـولـه الـمـدرسـة الـثّـانـويـة الّـتي كـان مـدرّسـه فـيـهـا شـوكـت سـلـيـمـان الـخـفّـاف الـمـعـروف بـشـوكـت الـرّسّـام. (3) ولـكـن أن يـبـدأ بـتـعـلّـم مـبـادئ الـرّسـم لا يـعـني أنّـه تـوصّـل حـالاً إلى نـقـل صـورة فـوتـوغـرافـيـة عـلى لـوحـة وبـدقّـة كـبـيـرة. رغـم أنّ الـنّـقـل الـدّقـيـق عـن صـورة فـوتـوغـرافـيـة يـدلّ فـقـط عـلى إمـكـانـيـات تـقـنـيـة لا عـلاقـة لـهـا بـالـقـدرّات الـتّـعـبـيـريـة الـفـنّـيـة الّـتي تـمـيّـز الـفـنـان الـخـالـق عـن الـحـرفي الـمـقـلـد الـنّـاقـل.  

وإذا طـابـقـنـا صـورة الـلـوحـة عـلى الـصّـورة الـفـوتـوغـرافـيـة نـجـدهـمـا تـتـطـابـقـان تـمـامـاً، وهـذا يـعـني أن الـلـوحـة نـسـخـة رسـمـت بـعـد أن نـقـلـت الـصـورة عـلى الـقـمـاش ... ربّـمـا بـإلـقـاء صـورة ضـوئـيـة بـواسـطـة آلـة "Projector".  

ويـحـقّ لـنـا أن نـتـسـاءل : هـل كـان لـلـصّـبي حـافـظ الـدّروبي الّـذي كـان في الـرّابـعـة عـشـرة مـن عـمـره عـام 1928 مـثـل هـذه الإمـكـانـيـات الـتّـقـنـيـة أم أنّ الـلـوحـة مـزيـفـة وضـع عـلـيـهـا اسـمـه لـكي يـرتـفـع ثـمـن بـيـعـهـا ؟

تـكـمـلـة ...

تـوقـعـت أن يـثـيـر مـا كـتـبـتـه ردود فـعـل كـثـيـرة، ولـكـن يـبـدو أن هـذا الـمـوضـوع لا يـهـمّ قـرائي ... ومـع ذلـك فـقـد اسـتـلـمـت تـوضـيـحـيـن شـديـدي الأهـمـيـة، الأوّل مـن الـمـهـنـدس الـمـعـمـاري مـهـنـد الـنّـاصـري الّـذي يـذكـر فـيـه أنّ الـلـوحـة مـن مـقـتـنـيـات مـتـحـف قـطـر، والـثّـاني مـن الأسـتـاذة Hanan Noami Tajer الّـذي تـعـلـمـني فـيـه أنّ الـلـوحـة عـرضـت في الـمـعـرض الإسـتـعـادي لـلـفـنّـان حـافـظ الـدّروبي الّـذي أقـيـم في الـمـتـحـف الـوطـني لـلـفـنّ الـحـديـث ـ بـغـداد في كـانـون الـثّـاني 1980. وكـان الـفـنّـان عـلى قـيـد الـحـيـاة (تـوفي سـنـة 1991). وقـد بـعـثـت لي بـصـور لـدلـيـل الـمـعـرض :



 
تـوضـيـحـات :

أرسـلـت لي الـكـاتـبـة والـشّـاعـرة ونـاقـدة الـفـن الـكـبـيـرة مي مـظـفـر بـالـتّـوضـيـحـات الـتّـالـيـة، أنـشـرهـا مـع شـكـري الـجـزيـل لـهـا:

"كنت قد أجريت مقابلة مع حافظ الدروبي قبل وفاته بقليل، بحضور زوجته سهيلة وعيسى حنا ورافع (الـنّـاصـري). كانت أول مقابلة أجريها مع الفنانين الرواد من أجل توثيق الحياة الفنية غير المدونة، للتعرف إلى طبيعة الحياة في المرحلة المبكرة من تأسيس الدولة العراقية في عشرينيات القرن الماضي. 
سألت الدروبي عن تجربته المبكرة وكيف اهتدى إلى الرسم وماذا كان يرسم ومن أين كان يحصل على المواد الفنية. فذكر لي، وكانت زوجته وعيسى معا يسعفان ذاكرته، قال إنه كان يرى والدته تطرز أشكالا جميلة وأراد أن يقلدها بالرسم على الورق و(الشخابيط) والزخرفة. ولكنه بدأ يرسم فعلا في المراحل التالية حين كان في المتوسطة الغربية في محلة العوينة أولا ثم في المركزية. ويذكر فضل شوكت الخفاف الذي علمهم المنظور ورسم الوجوه (بورتريت) في الثانوية المركزية حين انتقل إليها. كما يقول إن الخفاف، بعد عودته من دراسته، فتح في العشرينيات مرسما حرا، (أي كان ذلك قبل أن ينتقل الدروبي إلى الدراسة الثانوية). 
كما يقول إنه كان يختلي بنفسه ويغلق على نفسه الباب في غرفة في سطح الدار ويرسم بالزيت. سألته ماذا كان يرسم، قال كنا ننقل من الصور الفوتوغرافية والمجلات. وحين ذهب إلى روما تعلم حينذاك أنه لايجوز النقل من الصور الفوتوغرافية، ولابد من الرسم عن الطبيعة أو الواقع مباشرة.
فلا تستغرب أن يكون حافظ هو من قام برسم هذه الصورة نقلا عن الفوتوغراف، وأن يتقن الرسم في تلك المرحلة المبكرة من حياته، فقد كان هذا شأن فائق حسن، وهو من مواليد السنة نفسها (هذا إن كان هذا التاريخ دقيقا فعلا) لقد كان فائق يكلف برسم إعلانات السينما لدى ظهورها في بغداد في 1926، حسبما أذكر".

ـــــــــــــــــــــــ
(1) أقـدّم شـكـري الـجـزيـل لـلـمـهـنـدس الـمـعـمـاري مـهـنـد الـنّـاصـري عـلى هـذه الـمـعـلـومـات الّـتي أرسـلـهـا لي.
(2) أنـظـر مـقـالي : "ألـبـوم صـور نـشـرتـه شـركـة حـسـو إخـوان عـام 1925 " في مـدونـة "بـيـن دجـلـة والـفـرات" : 
https://sabahalnassery.wordpress.com/2016/05/12/%D8%A3%D9%84%D9%80%D8%A8%D9%80%D9%88%D9%85-%D8%B5%D9%80%D9%88%D8%B1-%D9%86%D9%80%D8%B4%D9%80%D8%B1%D8%AA%D9%80%D9%87-%D8%B4%D9%80%D8%B1%D9%83%D9%80%D8%A9-%D8%AD%D9%80%D8%B3%D9%80%D9%88-%D8%A5%D8%AE/ 
 /
(3) ويـبـدو أنّ حـافـظ الـدّروبي عـرض في الـجـانـب الـمـخـصـص لـلـمـدارس في قـسـم الـرّسـم في الـمـعـرض الـصّـنـاعي الـزّراعي الّـذي أقـيـم في بـغـداد عـام 1931 م. ولـكـنـنـا لا نـعـرف هـل عـرض رسـمـاً أم لـوحـة زيـتـيـة. وقـد أرسـل حـافـظ الـدّروبي في بـعـثـة حـكـومـيـة لـدّراسـة الـفـنّ في إيـطـالـيـا مـع الـفـنّـان عـطـا صـبـري عـام 1937.



©   حـقـوق الـنّـشـر مـحـفـوظـة لـلـدّكـتـور صـبـاح كـامـل الـنّـاصـري. 
      يـرجى طـلـب الإذن مـن الـكـاتـب قـبـل إعـادة نـشـر هـذا الـمـقـال.