lundi 16 janvier 2017

الـفـنّـان الـبـريـطـاني الـشّـهـيـر ولـيـام تـرنـر يـرسـم بـابـل والمـوصـل



                   




الـدّكـتـور صـبـاح الـنّـاصـري

لا شـكّ في أنّ كـلّ مـحـبّي الـفـنّ يـعـرفـون الـفـنّـان الإنـكـلـيـزي الـشّـهـيـر ولـيـام تـرنـر J. M. William Turner (ويـكـتـب الـبـعـض اسـمـه : تـيـرنـر أو تـورنـر). ولا شـكّ في أنّـهـم يـعـرفـون كـثـيـراً مـن لـوحـاتـه. ولـكـن كـم مـنّـهـم مـن يـعـرف لـوحـتـيـه عـن بـابـل والـمـوصـل ؟
ومـمـا زاد مـن عـجـبي عـنـدمـا اكـتـشـفـت ذلـك أنـني كـنـت أعـرف أنّ ولـيـام تـرنـر لـم يـسـافـر إلى الـشّـرق، ولـم يـزر الـعـراق أبـداً. فـكـيـف رسـم إذاً بـابـل ونـيـنـوى ؟

تـبـدأ قـصـتـنـا في حـوالي عـام 1832، عـنـدمـا كـان ولـيـام تـرنـر في الـسـابـعـة والـخـمـسـيـن مـن عـمـره. وكـان قـد بـلـغ أسـمى مـرتـبـة بـيـن الـفـنـانـيـن الـبـريـطـانـيــيـن بـعـد أن بـلـغ درجـة عـالـيـة مـن إتـقـان الـفـنّ الـكـلاسـيـكي، وبـعـد أن تـخـطّـاه بـتـجـاربـه الـمـذهـلـة بـجـعـل الـضّـوء يـنـبـثـق مـن داخـل الـلـوحـة بـدلاً مـن إضـافـتـه عـلى الأشـيـاء والأشـخـاص، وهـو مـا سـيـسـتـمـر فـيـه حـتّى وفـاتـه عـام 1851. وهـو أيـضـاً مـا اسـتـوحـاه الإنـطـبـاعـيـون الـفـرنـسـيـون مـنـه بـعـد ذلـك.

وفي ذلـك الـعـام، أراد الأخَـوان ولـيـام و إدويـن فـايـنـديـن Finden في لـنـدن أن يـنـشـرا طـبـعـة مـصـوّرة لـلـتـوراة والإنـجـيـل (1). ولأنّ تـكـالـيـف الـطّـبـع كـانـت بـاهـظـة فـقـد تـشـاركـا مـع الـنّـاشـر جـون مـرّي John Murray لإخـراج الـكـتـاب في عـدّة أجـزاء.
وطـلـبـوا مـن الـفـنّـان ولـيـام تـرنـر أن يـرسـم لـهـم سـتّـة وعـشـريـن مـشـهـداً تـصـور أحـداث الأسـفـار (جـمـع سِـفـر، أي كـتـاب) والأمـاكـن الّـتي دارت فـيـهـا. وكـان الـهـدف مـن الـرّسـوم أن تـحـفـر عـلى الـمـعـدن ثـمّ تـطـبـع بـالـحـبـر عـلى الـورق في الـكـتـاب. كـمـا طـلـبـوا مـن فـنـانـيـن آخـريـن رسـم مـشـاهـد أخـرى.
ولأنّ ولـيـام تـرنـر، مـثـلـه مـثـل الـفـنّـانـيـن الآخـريـن الّـذيـن شـاركـوا في تـصـويـر الـطّـبـعـة، لـم يـسـافـر إلى الـشّـرق أبـداً، ولـم يـرَ الأمـاكـن الّـتي طـلـبـوا مـنـه أن يـرسـمـهـا، فـقـد بـحـث عـن تـخـطـيـطـات لـهـا وعـن أعـمـال طـبـاعـيـة في الـكـتـب الـمـطـبـوعـة الّـتي نـشـرهـا قـبـل ذلـك أوربـيـون عـن رحـلاتـهـم إلى الـشّـرق.

وقـد نـفـذّ الـفـنّـان ولـيـام تـرنـر رسـومـه عـام 1833، وتـطـلّـب حـفـرهـا وطـبـعـهـا (وهـو مـا قـام بـه طـبـاعـيـون مـحـتـرفـون) زمـنـاً أطـول. وصـدر في 1836 الـجـزء الأوّل مـن الـكـتـاب بـصـيـغـتـه الـنّـهـائـيـة بـعـنـوان : Illustrations of the Bible.

ولـيـام تـرنـر يـرسـم صـورة بـابـل :
مـازال مـتـحـف فـيـكـتـوريـا وألـبـرت  Victoria and Albert Museum  في لـنـدن يـحـتـفـظ  بـتـصـويـر ولـيـام تـرنـر لـبـابـل. وهي لـوحـة بـالألـوان الـمـائـيـة عـلى ورق (144 × 210 مـلـم.) :

                                
وقـد حـوّل الـحـفّـار ج. كـوسـن  J. Cousen  لـوحـة ولـيـام تـرنـر إلى عـمـل طـبـاعي (غـرافـيـك) حـفـره عـلى الـمـعـدن ثـمّ طـبـعـه بـالـحـبـر عـلى الـورق :


  والـلـوحـة مـنـقـولـة عـن رسـم نـفّـذه كـيـر بـورتـر  Sir Robert Ker Porter عـنـدمـا زار بـابـل عـام 1820 ، وكـتـب تـحـتـه  View of Babylon.
وقـد نـشـر الـرّسـم عـام 1821 في كـتـابـه الّـذي يـسـرد فـيـه أحـداث رحـلـتـه عـبـر جـورجـيـا في بـلاد الـقـوقـاز وفي بـلاد فـارس وبـلاد الأرمـن وبـلاد بـابـل :
Travels in Georgia, Persia , Armenia, ancient Baylonia ، والّـتي قـام بـهـا مـن عـام 1817 إلى 1820.
ونـرى في الـرسّـم مـن بـعـيـد الـمـجـلِّـب، وهـو مـا يـسـمى بـ "تـلّ بـابـل" :



وإذا رجـعـنـا إلى رسـم ولـيـام تـرنـر الّـذي أخـذه عـن هـذا الـرّسـم، نـلاحـظ أنّـه قـد أضـاف عـلـيـه  مـجـمـوعـة مـن "الـشّـرقـيـيـن" ألـبـسـهـم مـلابـس غـريـبـة يـمـسـك اثـنـان مـنـهـمـا بـرمـحـيـن لـيـمـثـلـوا شـخـصـيـات عـاشـت في زمـن الـتّـوراة حـسـب مـخـيـلـة الأوربـيـيـن. ولـكـن هـدفـه مـن ذلـك كـرسّـام كـان إضـفـاء عـمـق يـمـتـدّ إلى خـلـفـيـة الـلـوحـة :



ولـيـام تـرنـر يـرسـم صـورة نـيـنـوى والـمـوصـل :

رسـم الـفـنّـان ولـيـام تـرنـر لـنـفـس الـنّـاشـريـن ولـنـفـس الـكـتـاب عـام 1833 لـوحـة أخـرى بـالألـوان الـمـائـيـة (أضـاف إلـيـهـا قـلـيـلاً مـن الـغـواش bodycolor ) لـنـيـنـوى، الـمـوصـل عـلى دجـلـة   Nineveh, Moussul on the Tigris. ومـقـايـيـسـهـا : 12,5 × 20,5  سـنـتـم. :



وقـد حـوّل الـحـفّـار رادكـلـيـف  W. Radclyff  لـوحـة ولـيـام تـرنـر إلى عـمـل طـبـاعي (غـرافـيـك) حـفـره عـلى الـمـعـدن ثـمّ طـبـعـه بـالـحـبـر عـلى الـورق :



والـلـوحـة مـنـقـولـة عـن عـمـل طـبـاعي مـأخـوذ هـو نـفـسـه عـن تـخـطـيـط نـفّـذه الـقـنـصـل الـبـريـطـاني في بـغـداد في ذلـك الـحـيـن كـلاوديـوس جـيـمـس ريـج (ريـتـش) Claudius James Rich خـلال زيـارتـه لـلـمـوصـل عـام 1820 ، ونـشـره في الـجـزء الـثّـاني مـن كـتـابـه : وصـف لإقـامـة في كـردسـتـان، ولـمـوقـع نـيـنـوى الـقـديـمـة، ويـومـيـات سـفـرة الـرّجـوع عـن طـريـق دجـلـة إلى بـغـداد
Narrative of Residence in Koordistan, and on the site of ancient  Nineveh with Journal of a voyage down the Tigris to Baghdad, vol.2.




وإذا رجـعـنـا إلى رسـم ولـيـام تـرنـر الّـذي أخـذه عـن هـذا الـرّسـم نـلاحـظ أنّـه أعـاد تـكـويـن الـلـوحـة وأضـفى عـلـيـهـا تـوازنـاً كـان رسـم ريـج يـفـتـقـده، كـمـا أضـاف بـقـايـا خـرائـب في يـمـيـن مـقـدمـة الـلـوحـة ورجـالاً وجـمـالاً وخـيـولاً أدخـلـت فـيـهـا مـسـتـوى آخـر شـدد مـن عـمـق الـلـوحـة ومـلأهـا حـيـاةً وحـيـويـة :



ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)  أي "الـكـتـاب الـمـقـدس" بـقـسـمـيـه : "الـعـهـد الـقـديـم" الّـذي يـحـتـوي عـلى أسـفـار الـتّـوراة الـخـمـسـة وأسـفـار أخـرى أضـيـفـت عـلـيـهـا، و"الـعـهـد الـجـديـد" الّـذي يـحـتـوي عـلى الأنـاجـيـل الأربـعـة ورسـائـل وأسـفـار أخـرى.




©  حـقـوق الـنّـشـر مـحـفـوظـة لـلـدّكـتـور صـبـاح كـامـل الـنّـاصـري. 
                                  يـرجى طـلـب الإذن مـن الـكـاتـب قـبـل إعـادة نـشـر هـذا الـمـقـال.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire